الأحد، أبريل 18، 2010

الدفوعات في قانون المسطرة المدنية المغربي




ينص الفصل 49 من قانون المسطرة المدنية على ما يلي : "يجب أن يثار في أن واحد و قبل كل دفاع في الجوهر الدفع بإحالة الدعوى على محكمة أخرى لتقديمها أمام محكمتيـن مختلفتين أو لارتباط الدعويين و الدفع بعدم القبول و إلا كان الدفعان غير مقبولين.
يسري نفس الحكم بالنسبة لحالات البطلان و الإخلالات الشكلية و المسطرية التي لا تقبلها المحكمة إلا إذا كانت مصالـح الطرف قد تضررت فعلا."

إن المتمعن في مقتضات هذا الفصل يجد أن المشرع حدد نوع الدفوع التي يجب على الأطراف إثارتها عند بداية المخاصمة القضائية ،و ذلك قبل النفاذ لمناقشة الجوهر، و تلك الدفوع يمكن تحديدها حسب ما ورد بالفصل في ما يلي :

وهذا الدفع يجب أن يثار من قبل ذو المصلحة ، و هو دفع يهدف أساس إلى الحيلولة دون صدور أحكاما متناقضة في نفس الموضوع و بين نفس الأطراف و لنفس السبب ، إذ أن هذا الدفع يجب أن يكون مؤسسا و للمحكمة الثار أمامها هذا الدفع أن تنظر في جديته من خلال بسط رقابتها على موضع الدعوى المرفوعة أمام محكمة أخرى غيرها ، و بسط هذه الرقابة يتمثل في التأكد مما إذا كانت الدعويين المرفوعتين أمام محكمتين مختلفتين لهما نفس الموضوع و نفس السبب و نفس الأطراف ، إذ لا قيمة لهذا الدفع إذا كان هناك اختلاف في الموضوع ، كما لو رفعت دعوى الإفراغ مثلا لعدم الأداء أمام المحكمة الابتدائية بالرباط بشأن العين المكتراة الموجودة بالرباط ، و رفعت دعوى أخرى بالإفراغ للاحتياج أمام المحكمة الابتدائية بسلا بشأن عين أخرى مكتراة داخل الدائرة القضائية للمحكمة الابتدائية بسلا ، ففي مثل هذه الحالات لا يمكن القول بوجود نفس الدعوى مرفوعة أمام محكمتين مختلفتين لأن كل دعوى تختلف من حيث الموضوع و السب عن الأخرى و لو اتحدتا في الأطراف ، و على ذلك فالمحكمة يتعين عليها التأكد من توفر الشروط الثلاثة المذكورة في آن واحد و لا يمكن أن تلتفت لهذا النوع من الدفوع إذا اختل أحد تلك الشروط.
- الدفع بإحالة الدعوى على محكمة أخرى لارتباط دعويين 2 :
و هذه الصورة لا يمكن تصورها إلا إذا ما توفر في الدعويين شرط أساسي متمثل في ضرورة وجود التزامات متقابلة أو متكاملة ، إذ في مثل هذه الحالة يتعين على مثير الدفع أن يبين بوضوح للمحكمة الأساس القانوني الذي دفعه لإثارة الدفع ، فمثلا إذا ما رفع زيد دعوى أمام المحكمة الابتدائية بسلا يطالب فيها عمرو بالتعويض عن الضرر الحاصل له من جراء عدم إتمامه لالتزامه المتمثل في إكمال البناء المتفق عليه ، فإن للمدعى عليه في هذه الحالة أن يدفع أمام المحكمة الابتدائية بسلا بإحالة الدعوى على أنظار المحكمة الابتدائية بالرباط لكونها هي من وضعت يدها على الدعوى التي رفعها عمرو ضد زيد بشأن إكمال أداء المبلغ المتفق عليه مقابل البناء بحجة أن البناء تم و أن زيد لم يؤد ما تبقى في ذمته من مبالغ ، ففي مثل هذه الحالات يتعين على المحكمة أن تتأكد من أمرين الأول أن تكون الدعويين تتعلقان بنفس الأطراف ،و الثاني أن تكون هناك التزامات متقابلة .
و في المثال المثار نجد أن التزامات الطرفين متقابلة و متمثلة في كون الواجب الملقى على عاتق عمرو هو القيام بأشغال البناء بينما الذي ألقي على عاتق زيد فهو أن يؤدي الثمن المتفق عليه كمقابل للبناء ، فوحدة الموضوع متوفرة و الالتزامات المتقابلة متوفرة كذلك .
و نفس الأمر بالنسبة للدعويين المرفوعتين أمام محكمتين مختلفتين بشأن دعويين موضوعهما متكاملين ، كما هو الأمر بالنسبة للدعوى المرفوعة من أجل إتمام البيع بشأن عقار محفظ مع دعوى مرفوعة لإلزام السيد المحافظ على الأملاك العقارية بتضمين عقد البيع المتعلق بنفس العقار بسجلات المحافظة العقارية، ففي مثل هذه الحالة فالدعويين و إن كانا مختلفين من حيث الموضوع فهما متكاملين ، وعلى من له المصلحة إن يثير هذا الدفع وفقا لمقتضيات الفصل موضوع الدراية .

هذا النوع من الدفوع يبقى عاما و مجردا من حيث صياغته ، لكن هذا العموم و التجريد هل يعني أنه يمكن المدعى عليه أو من له المصلحة على وجه العموم في إثارة أي شيء خطر في باله و اعتباره دفعا يجب إثارته قبل الدفاع في الجوهر ؟
بالتأكيد فإن الجواب عن هذا التساؤل يكمن في المقتضيات القانونية التي تحدد وحدها ما هب الدفوعات التي يجب أن تثار قبل النفاذ لمناقشة الموضوع كما هو الأمر بالنسبة للدفوع المتعلقة مثلا بضبط هوية الأطراف بما يجعل الدعوى مقامة على النحو الصحيح قانونا ، و كذا جميع الدفوعات التي يمكن أن تدخل في إطار مقتضيات الفصل الأول من قانون المسطرة المدنية .
و عليه فهذا النوع من الدفوع موكول لفطنة المحكمة التأكد مما إذا كان دفعا يجب أن تثار قبل الدفاع في الجوهر و بالتالي ترتيب الجزاء القانوني عليه .

هذا النوع من الدفوع هو ما تم التنصيص عليه بالفقرة الثانية من الفصل 49 موضوع الدراسة ، و هي الدفوع يجب أن يتوفر فيها شرطان : الأول أن يتحقق الضرر من جراء خرق بعض المقتضيات القانونية ، و الثاني أن تقبل المحكمة تلك الدفوع بعدما تتأكد من تحقق الضرر .
فهذا النوع من الدفوع يجب أن يثار من طرف ذو المصلحة الذي تضررت مصالحه بشكل محقق و يقيني ، أي أن التشبث بخرق مقتضيات قانونية غير مؤثرة أو منتجة في الدعوى لا يمكن أن يشكل نوعا من الدفوع المنصوص عليها بالفصل 49كما لا يمكن أن تدخل في نطاق مقتضياته ، و في هذا الاتجاه سار المجلس الأعلى في قراره عدد 348 الصادر بتاريخ 27-04-1984 و الذي جاء فيه " إن الخطأ الذي لم يترتب عنه أي أثر على ما قضت به المحكمة لا يعد وسيلة لنقض القرار الواقع فيه " ذلك أن الخطأ المرتكز عليه لطلب النقض و إن كان قد اعتبر خرقا قانونيا من طرف طالب النقض ، فهو غير ذلك بالنسبة للمحكمة التي ارتأت أنه غير مؤثر و غير منتج في الحكم الذي صدر و بالتالي فلا يمكن الارتكان إليه لنقض القرار ،و هو نفس الأمر بالنسبة للمقتضيات القانونية التي يمكن إغفالها و لا تؤثر في حقوق و مصالح الأطراف .
و قد عدد المشرع بعض الأنواع الداخلة في هذا الصنف الرابع من الدفوع ، و ذكر حالات البطلان ،و الإخلالات الشكلية و كذا الإخلالات المسطرية .
و هذا التعداد بدوره جاء عاما ومجردا بشكل يمكن أن ينضوي تحت أي نوع من أنواع الدفوع ،
فمثلا تلك الدفوع المتعلقة بالآجال المنصوص عليها بالفصول بالفصلين 40 و 41 من قانون المسطرة الدنية يجب أن تخضع للمسطرة الواردة بالفصل 49 من نفس القانون و الذي هو موضوع الدراسة ، ذلك أن الفاحص لمقتضيات الفصلين 40 و 41 من قانون المسطرة المدنية لا يمكن أن يثير انتباهه إلا الجزاء المترتب على عدم احترام المحكمة للآجال المنصوص عليه بالفصلين و إصدار الحكم تبعا لذلك غيابيا ، ففي هذه الحالة رتب المشرع البطلان على ذلك الحكم ، لكن لا يسري بالمفهوم المخالف نفس الأثر بالنسبة للأحكام الحضورية أو التي صدرت بمثابة حضورية ، ففي هذا النوع من الأحكام لا يلتفت للدفوع المتعلقة بآجال الاستدعاء ما لم تثر قبل الدفاع في الجوهر و النفاذ لمناقشته ، إذ لا يتصور أن ينفذ المدعى عليه لمناقشة الجوهر إلا إذا اعتبر أنه تجاوز تلك الشكليات و التي يكون هو نفسه قد قدر أنها لا تأثير لها على مسار الدعوى .
و في هذا الاتجاه سار المجلس الأعلى حين نقض قرار محكمة الاستيناف الذي أساء تطبيق مقتضيات الفصل 39 من قانون المسطرة المدنية ، حيث ذهب المجلس الأعلى إلى " أنه حقا لقد صح ما عابه الطاعنون ذلك أنه من جهة فإن الشهادة المعتبرة قانونا لإثبات التبليغات القضائية عند التنازع هي شهادة التسليم المنصوص عليها بالفصل 39 من ق م م و من جهة ثانية فإن الطاعنين لم يسلموا بفحوى شهادة كتابة الضبط المستظهر بها من طرف خصومهم و أعلنوا طعنهم فيها أمام المحكمة المستأنف لديها التي لها ذات الصلاحية للبث في هذا الطعن ، و عليه فإنه كان عليها لما طعن لديها في تلك الشهادة أن ترجع إلى ملف التبليغ و تبحث عما إذا كان يتوفر على شهادة التسليم التي هي وحدها المثبتة للتبليغ المدعى به أم لا ، الشيء الذي تعتبر معه لما لم تفعل ذلك و اكتفت بشهادة كتابة الضبط قد جردت قرارها من الأساس القانوني و عرضته بذلك للنقض " قرار رقم 1556 صادر بتاريخ 25/07/1986 في الملف المدني رقم 97475 منشور بمجموعة قرارات المجلس الأعلى _ المادة المدنية _ الجزء الثاني ( 1983-1991) ص 425 .فيتضح من هذا القرار أن المحكمة المثار لديها هذا النوع من الدفوع المتعلقة بالتبليغات هي التي تختص بالنظر فيها إذا ما تحققت من وجود ضرر محقق و مؤثر و الذي يقع على عاتق الأطراف توضيح ذلك الضرر ،و ذلك تمشيا مع ما جاء بقرار المجلس الأعلى عدد 3407 بتاريخ 04-06-1997 صادر في الملف المدني رقم 3382/94 و الذي نص على ما يلي :" لكن فإن ما أثير في الوسيلة الأولى لم يترتب عنه أي لبس أو غموض في هوية الأطراف كما أن الطاعنين لم يبينا الضرر الذي لحقهما من عدم التنصيص على عناوين الأطراف فضلا عن أن القرار تضمن موطن الطرفين المختار " قرار منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى رقم 52 السنة 20 ص 79
كما أن الدفوع المتعلقة بالتقادم يجب أن تثار أمام المحكمة المرفوعة إليها الدعوى قبل كل دفاع في الجوهر و بالتالي قبل النفاذ لمناقشة الجوهر ،و على المحكمة أن ترد على هذا النوع من الدفوع و أن ترتب عليه الأثر القانوني الواجب ، و ذلك تحت طائلة بطلان الحكم الصادر في تلك الدعوى ، و عليه فقد جاء في تطبيق هذه القاعدة قرار للمجلس الأعلى قضى ب"أن الدفع بالتقادم هو دفه يؤدي إلى عدم سماع الدعوى ، يجب طبقا للفصل 49 من ق م م إثارته قبل كل دفع أو دفاع في الجوهر ..." قرار عدد 6026 صادر بتاريخ 07-10-1998 في الملف المدني عدد 3399/93 منشور بالتعليق على قانون المسطرة المدنية لغاية سنة 2000 للدكتور عبد العزيز توفيق الطبعة الأولى مطبعة النجاح الجديدة ص 52 .
كما أن الدفوع المتعلقة بالفصل الأول من قانون المسطرة المدنية و المتعلقة بالصفة و الأهلية و المصلحة أو الإذن بالتقاضي تعتبر دفوعا شكلية داخلة في إطار مقتضيات الفصل 49 من قانون المسطرة المدنية .
ومعلوم أن المجلس الأعلى سبق له أن حدد معني الدفوع الشكلية الوارد بالفصل 49 من ق م م و ذلك في القرار الصادر عنه و الذي جاء فيه " إن الدفع بعدم القبول المشار إليه في الفصل 49 من ق م م يهم الدفوع الشكلية التي يرد بها المدعى عليه الدعوى ، دون أن يواجه موضوعها أو مناقشتها و التي تسقط إذا أثيرت بعد الدفاع في الجوهر ما لم تتعلق بالنظام العام " قرار 1459 صادر بتاريخ 27-06-1992 منشور بمجلة المرافعة عدد 4 ص 125 .
و وفقا لهذا القرار فجميع الدفوع الشكلية التي لا تتعلق بالنظام العام - كما هو وارد بالمسائل المنصوص عليها بالفصل الأول من قانون المسطرة المدنية و التي يمكن للمحكمة من تلقاء نفسها أن تثيرها - يجب أن تثيرها ذوو المصلحة قبل كل دفع أو دفاع وفقا لمقتضيات الفصل 49 من قانون المسطرة المدنية و إلا كانت تلك الدفوع غير مسموعة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق