الثلاثاء، أبريل 20، 2010

ج1-العولمة و المحاماة

 
جهاد أكرام
               محام متمرن بهيئة الدار البيضاء
1- نشأة العولمة: أثر انهيار المعسكر الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفياتي في العشرية الأخيرة من القرن الماضي على النظام العالمي في جميع مستوياته.ذلك أن اختفاء دول الكتلة الشرقية ترك الباب مفتوحا أمام الغرب من أجل بسط الهيمنة و إحكام السيطرة على باقي دول العالم. فكان أن غزا المد الرأسمالي كافة البلدان العالمية باستعمال الوسائل الاقتصادية، عوض الطرق العسكرية التي اعتمدت من طرف امبريالية القرن التاسع عشر.و قد تطورت الأمور إلى ظهور العولمة مولودا لهذا النظام العالمي الجديد.
2- مفهوم العولمة: و تقوم العولمة على مبدأين أساسين:
- أولهما جعل العالم عبارة عن قرية صغيرة مفتوحة أمام الجميع بحيث تصير العزلة عن باقي مكونات المجتمع الدولي أمرا شبه مستحيل؛
- و ثانيهما حرية التنقل و التداول في كل شيء، بدءا بالأشخاص و انتهاء بالأموال. و هذا ما يعني امتداد العولمة لتغطي قطاع الخدمات أيضا. فكان من المنطقي أن تتأثر بها المهن هي الأخرى.
3- آثار العولمة - تقسيم: لا شك أن للعولمة منافع جمة على جميع الأصعدة لأنها تفتح الأبواب و تكسر الحواجز و تمكن من تجاوز الحدود، بحيث تجعل من العالم وحدة مفتوحة سهلة الاستكشاف من طرف الكافة.و يكفي الاستدلال على ذلك بالثورة التي خلقها الأنترنت فيما يخص نقل المعلومات، إذ يمكن اعتباره الصورة المادية و الملموسة للعولمة حاليا، على أساس أنه يمكن لكل شخص، أينما كان و بغض النظر عن انتمائه، أن يحصل على المعلومة دون حواجز و بنفس التكاليف. و لكن القول بأن الكافة يستفيدون من منافع العولمة شيء نظري أكثر منه واقعي.صحيح أن لا حاجز يحول دون استكشاف العالم من طرف الجميع، و لكن ممارسة الحرية التي تضمنها العولمة تحتاج إلى وسائل مادية لا تتوفر لدى الكافة. و معنى ذلك أن النظرية التي تنبني عليها العولمة مشلولة عند التطبيق. و يكفي الاستدلال هنا مرة أخرى بالواقع الملموس للعولمة من خلال شبكة الأنترنت التي لا تقدم كافة الخدمات المعروضة فيها بالمجان، و التي تتطلب في أحيان كثيرة وسائل مادية لاستغلالها. و الغالب أن لا تشذ مهنة المحاماة في المغرب عن هذه القاعدة باعتبارها مهنة حرة تهب عليها رياح العولمة في إحدى دول العالم الثالث، مما ينبئ بسلبية أثر هذه الظاهرة العالمية على المهنة في المغرب (أولا)، و يدفع لمحاولة التفكير في طرق الحد من هذه العواقب(ثانيا).
أولا- سلبية آثار العولمة على المحاماة
4- صورية الأثر الإيجابي على المحامين المغاربة: يمكن القول مبدئيا إن من بين الآثار الإيجابية للعولمة على المهنة، فتح السوق الاقتصادية المغربية أمام المقاولات الأجنبية من جهة، و هو ما سيوسع نطاق نشاط المحامين المغاربة، و فتح الوسط المهني أمام المحامين الأجانب من جهة ثانية، مما سيمكن من تبادل الخبرات و التجارب بينهم و بين نظرائهم المغاربة. و ربما يكون هذان هما الأثران الإيجابيان الوحيدان للعولمة على المهنة، و لكن من الصعب الجزم و استباق الأمور.غير أن الأكيد أن الأثرين المذكورين عبارة عن هدايا ملغومة، يحملان في طياتهما من المساوئ أكثر مما يظهرانه من المنافع على المهنيين المغاربة.
5- ضعف مركز المحامين المغاربة: و يظهر جليا منذ الآن أن الذي سيستفيد بالدرجة الأولى من الحرية التي توفرها العولمة هم المحامون الأجانب دون المغاربة، إذ سيكون من العسير على المحامي المغربي أن ينتقل لمزاولة المهنة في الخارج رغم أن لا شيء يمنعه من ذلك على المستوى النظري. و العلة الرئيسية في ذلك، كما هو الحال بالنسبة للمنتجات الاقتصادية المغربية، عجز المحامي المغربي عن منافسة المحامي الأجنبي لعدة أسباب:
- أولها، أن المحامي المغربي أنس التعامل مع النظام القانوني المغربي فقط، و بالتالي فمن العسير عليه بعد عشية و ضحاها الممارسة في ظل نظام قانوني غيره.و لا يحتجن على ذلك بالقول إن المبادئ العامة للقانون في النظم اللاتينية-الجرمانية واحدة، و إن الاختلافات بينها بسيطة، لأن الممارسة المهنية العملية تفترض الكفاءة في التعامل مع النظام القانوني، و العلم المسبق و الكافي بمضامينه. و لا يتأتى ذلك بسهولة لممارس ترعرع في ظل نظام قانوني معين و تأثر بمفاهيمه، إذا ما انتقلت ممارسته إلى نظام جديد لم يألف التعامل مع تقنياته. فإذا كان الأمر كذلك بالنسبة للنظم اللاتينية-الجرمانية التي ينتمي إليها القانون المغربي، فما القول بالنسبة للنظم الأنجلو ساكسونية التي لا تمت مبادئها الأولية بأدنى صلة لتلك التي اعتدنا الممارسة في ظلها؟
-ثانيها أن المحامي المغربي، و هذه حقيقة مرة، ناقص التكوين في قانونه هو.و أسباب ذلك كثيرة أهمها ضعف التكوين الجامعي و ندرة وسائل الحصول على المعلومة القانونية في المغرب، أو اقتصارها في أغلب الحالات على ذوي الوسائل المادية.
 -ثالثها عدم توفر المحامي المغربي على الوسائل المادية التي ستمكنه من غزو الوسط المهني الأجنبي، أمام ما يتطلبه ذلك من استثمار للاستقرار بالخارج.كما أنه لو فعل، فإن النظر إلى طرق ممارسة المهنة بالخارج، و التي تعتمد على الممارسة الجماعية، يبين أن فرص استقلال المحامي المغربي بنفسه عن وصاية نظيره الأجنبي في الممارسة ضعيفة جدا.و في حالة تمكنه من ذلك، ففرص النجاح ضئيلة إن لم تكن منعدمة.
-رابعها عدم توفر المحامي المغربي على الكفاءة التي تمكنه من ولوج المكاتب الأجنبية لأن هذه الأخيرة تتطلب مؤهلات علمية مرتفعة، تقاس بالشهادات الجامعية المحصل عليها، لأجل التعاقد مع المحامين.و الحال أن المستوى العلمي لأغلب المحامين المغاربة يتوقف عند حدود الإجازة.
 -خامسها عائق اللغة الذي يعاني منه المحامي المغربي. فعلى افتراض إتقان المحامين المغاربة للغة العربية، و هذا مشكل، مستقل بذاته، محرج و لكنه واقع يجب الاعتراف به، فإن اللغة القانونية الثانية التي يستعملها المغاربة هي الفرنسية.و ليس الحديث هنا عن اللغة الثانية التي يتقنها المحامون المغاربة، بل التي يستعملونها دون تأكيد على الإتقان الذي ينحصر في المجال القانوني على نخبة من رجال القانون القلائل الذين درسوا في الأقسام الفرنسية لكليات الحقوق المغربية، أو الذين حالفهم الحظ للالتحاق بإحدى الكليات الأجنبية، الفرنسية منها على الخصوص. و مفاد ذلك أمران:
 +أن الغالب الأعم من المحامين المغاربة لن يجرؤوا بتاتا على محاولة التفكير في الممارسة في البلدان التي تعتمد غير اللغة العربية لغة رسمية قانونية، لأن الاشتغال باللغة القانونية المتخصصة يفترض إتقانها و ليس مجرد استعمالها عرضا؛ و ليس كل من يركب جملة باللغة الفرنسة قادرا على تحرير مذكرات و لا إعطاء فتاوى قانونية بها، بل و لا أهلا لاستطلاع محتوى النصوص التشريعية و مضامين المقررات القضائية و الكتابات الفقهية و فهم مقاصدها.
 +و أن البلدان الأجنبية غير العربية التي يمكن للمحامين المغاربة الاستقرار بها تقتصر على أربع دول عل أبعد تقدير، وهي فرنسا و بلجيكا و اللكسومبرغ و إقليم الكيبيك بكندا، لأنها هي التي تعتمد اللغة الفرنسية لغة رسمية. و يمكن إضافة الدول الناطقة بالإسبانية على اعتبار إتقان نسبة لا بأس بها من الممارسين المغاربة لهذه اللغة خاصة في المناطق الشمالية. و لكن، أيمكن أن نتصور في ظل واقعنا الحالي الذي لا يخفى على أحد، و الحقيقة أنه أوضح من الشمس في عز الظهر على رأي المثل المصري، أيمكن أن نتصور محامين مغاربة يفتون، و لو تعلق الأمر بالقانون المغربي، باللغة الألمانية أو الإيطالية أو الأنجليزية أو غيرها من اللغات العالمية؟ صحيح أن هناك استثناءات و حالات خاصة، و لكن المبادئ لا تقام على الاستثناءات بل على الطابع الغالب و العام.
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق