الخميس، أبريل 22، 2010

ج2-الوسائل البديلة لحل المنازعات

مدى فعالية الوسائل البديلة لحل المنازعات
وعلاقتها بالقضاء
إعداد : أحمد أنوار ناجـي دكتور في الحقوق
 
1-المحكمة المصغرة:
وتتلخص في أن النزاع يحال إلى هيئة مكونة من رئيس محايد وعضوين يختار كل من الطرفين المتنازعين واحداً منهما من بين كبار موظفيه في مستويات الإدارة العليا ممن لهم دراية بتفاصيل النزاع ، ويتولى العضوان اختيار الرئيس وإن لم يتفقا على شخصه يعينه مرجع يكون متفقاً عليه سلفاً. يلتقي الطرفان للاتفاق على قواعد لإجراءات المحاكمة تختصر إلى أقل درجة ممكنة ، وهكذا يتحدد عدد المستندات التي ستقدم والمهل لتبادل اللوائح بعد جلسة المرافعة التي يجب أن لا تتجاوز اليومين ، يجتمع الموظفان عضوا المحكمة للتفاوض وإذا طلب من الشخص الثالث الحيادي المشاركة في الاجتماع فإنه يعطي رأيه ولكنه يجب أن يبقى شفهياً ... وتستمر المفاوضات بين عضوي المحكمة بغية الوصول إلى مصالحة ، ولكن هذه المفاوضات تبقى سرية لا يمكن كشفها إذا فشلت المفاوضات في الوصول إلى صلح وذهب الطرفان إلى المحكمة القضائية، وإذا كانت المفاوضات مشمولة بالسرية فإن المستندات والإثباتات واللوائح المقدمة خلال المحاكمة المصغرة ليست كذلك بل يمكن إعادة تقديمها إلى المحاكمة القضائية إذا فشل حل النزاع وسارت الأمور إلى دعوى قضائية.
2-وساطة ميتشغان أو المطرقة المخملية:
أمام تراكم الدعاوى على محكمة ميتشغان وجدت هذه مخرجاً يخفف من الأعباء ويفتح باب وسيلة بديلة لحسم المنازعات عن طريق الوساطة ، إذ وضعت محكمة ميتشغان ذاتها إجراءات يلزم أطراف أي نزاع بإتباعها قبل عرض النزاع على المحكمة، ووضعت المحكمة لائحة بعدد من الحقوقيين كوسطاء ، وقبل أن تبدأ إجراءات أي محاكمة يختار كل طرف وسيطاً من الأسماء الواردة على لائحة الوسطاء ويسمي الوسيطان وسيطاً ثالثاً من اللائحة، ويعين قاضي محكمة ميتشغان جلسة وساطة ويبلغها للطرفين وللوسطاء ، وقبل عشرة أيام من الجلسة يقدم كل طرف لائحة مختصرة بإدعاءاته مدعمة بالحجج القانونية وسرد الوقائع كل ذلك باختصار شديد،ويوم الجلسة يحق لمحاميي الطرفين أن يترافعا ولكن باختصار ، والجلسة يجب ألا تتعدى الساعة من الوقت يقدم الوسطاء تقريرهم خلال الأيام العشرة اللاحقة لجلسة المرافعة وللطرفين مهلة 20 يوماً لقبوله أو رفضه، فإذا لم يجيبوا اعتبر ذلك موافقة وقبولا، وإذا قبل قرار الوسطاء يصدر حكم من محكمة ميتشغان بتثبيته ، وإذا رفض أي من الطرفين تستأنف الدعوى سيرها العادي أمام المحكمة ويوضع قرار الوسطاء في مغلف يختم بالشمع الأحمر ولا يفتح إلا بعد صدور الحكم، وعند صدور الحكم يفتح الملف المختوم بالشمع الأحمر ويقارن الحكم بقرار الوسطاء فإذا كان الحكم قد أعطى أكثر مما قرر الوسطاء بـ 10% فإن المدعى عليه هو الذي يتحمل نفقات ورســوم الدعوى، وإذا قررت المحكمة للمدعي أقل بـ 10% مما قرر الوسطاء يتحمل كل فريق نصيبه من النفقات القضائية.
3-الوسيط المحكم:
يقوم الوسيط الذي يختاره الطرفان أو يعينه مرجع بدور الوسيط فإذا فشل تابع طريقه كمحكم يفصل في النزاع،ويكون هذا الشكل من الوسائل البديلة لحسم المنازعات قد اعتمد مبدأ غير مقبول بوجه عام وهو أن يتولى الوسيط التحكيم فيما قام به من وساطة.
ويكون هذا الشكل من الوسائل البديلة قد أعطى الوسيط سلطة إلزامية تؤول إليه بمجرد فشل الوساطة إذ يتحول إلى محكم لفصل النزاع.
4-( استئجار ) قاض:
وتبدو التسمية غريبة ، ولكن هذا الشكل أخذ هذا الاسم في الولايات المتحدة وهو في الحقيقة تكليف قاض الفصل في النزاع.
وقد بدأ هذا النظام في ولايتي كاليفورنيا ونيويورك الأمريكيتين ، وبموجبه يتقدم الأطراف بطلب إلى المحكمة لتعيين محكم يكون عادة قاضياً متقاعداً ينظر بالنزاع بصورة غير رسمية ويصدر فيه حكمـاً تلتزم المحـاكم بتنفـيذه إذا وجدته مناسباً ، ولا يبدو أن هذا النظام قد طبق في أي بلد آخر غير الولايات المتحدة الأمريكية ، كما أنه قد يتعارض مع كثير من النظم التشريعية وقواعد القضاء في العديد من الأنظمة القانونية في العالـم.
5-التحكيم وفقاً لآخر عرض:
هذه الوسيلة البديلة لحل النزاع ليست مبنية على الوساطة بل على التحكيم ، ولكن المحكمة التحكيمية ليست حرة في بحث النزاع بل هي مخيرة في تبني أي مطلب من مطالب طرفي النزاع كما هو بدون زيادة أو نقصان ، أي بدون زيادته أو تنقيصه.
والفكرة من هذه الطريقة هي إجبار الطرفين على تخفيض مطالبهما لأن طلباً مبالغاً فيه سيفضي لأن تتبنى المحكمة التحكيميـة الطلب الآخر كما هو وترد الطلب المبالغ به، ولأن المحكمة التحكيميـة لا تملك سوى حرية اختيار أحد الطلبين كما هو.
هذه فكرة عن أنواع الوسائل البديلة لحسم المنازعات ، ويمكن القول أن هذه الوسيلة البديلة لحل المنازعات عن طريق الوساطة التي انتشرت في الولايات المتحدة أولا ثم عمت اليابان وكندا وأستراليا وتتقدم في سويسرا ، تتميز في أنها توجد وسيطاً يحرك المفاوضات ويخلق مناخاً لتسوية حبية،من هنا تأتي أهمية شخصية الوسيط الذي يتوقف نجاح أو فشل المفاوضات عليه فهو مفتاح هده الوسيلة البديلة.و في البلدان التي انتشرت فيها هذه الوسيلة البديلة لحسم المنازعات بالطريقـة الحبيـة فان دورها يبـدو عصريـا و الإقبال عليها يؤكد أنها تأتي تلبية لحاجة لدى عقلية اجتماعية و ثقافية معينة هي من هذه الزاوية تلعب دورا هاما في حل المنازعات بطريقة عصرية، يشبهها البعض في الولايات المتحـدة بأنها السيـارة في حيـن أن الوسائل الأخـرى هي العربـة والحصان،و لا ريب أن في ذلك مبالغة ، خاصة و أن هذه الوسيلة البديلة قد نجحت كثيرا في مجتمعات معينة ولم تحقق أي نجاح بعد في مجتمعات أخرى كالدول الأوروبية التي تكتفي بالتحكيم كوسيلة عصرية و سريعة و بديلة عن القضاء لحسم المنازعات(6).
ثانيا : تحديد مختلف أنواع الوسائل البديلة
تنقسم طرق فض المنازعات الملائمة أو البديلة ADR إلى أقسام متعددة تختلف تبعا لأساس التقسيـم ، ولعل أفضل تقسيم لها هو تقسيمها من حيث  درجة التدخل intervention  من قبل طرف ثالث في النزاع ، ووفق هذا التقسيم تنقسم هذه الطرق إلى :
المفاوضات    (Négociation)
المفاوضات أو التفاوض هو آليـة  لتسوية النزاع قائم على الحوار المباشر بين الطرفين المتنازعين سعياً لحل الخلاف، ولا يحتاج التفاوض إلى أي طرف ثالث، بل يعتمد على الحوار بين الطرفين مباشـرة ،  إلا أنه لا يوجد ما يمنع من تمثيل المتنازعين بواسطة محامين أو وكلاء لهم، إذ لا يغيّر ذلك من طبيعة التفاوض، ما دام الوكلاء يملكون سلطة اتخاذ القرار عن موكليهم(7).
  الوساطة(Médiation):
 وهي مرحلة متقدمة من التفاوض تتم بمشاركة طرف ثالث (وسيط)، يعمل على تسهيل الحوار بين الطرفين المتنازعين ومساعدتهمـا على التوصل لتسوية، إذن فهي آليـة تقوم على أساس تدخل شخص ثالث محايد في المفاوضات بين طرفين متخاصمين بحيث يعمل هدا المحايد عل تقريب وجهات النظر بين الطرفيـن وتسهيل التواصـل بينهما وبالتالـي مساعدتهما على إيجاد تسوية مناسبة لحكم النزاع.
وفي هذا المعنى يقول الأستاذ Fouchard :
       ‘‘La mission du conciliateur se limite à tenter de concilier les parties, ou à s’efforcer de les amener à une solution mutuellement acceptable. Les propositions ou recommandations qu’il leur présente après l’instruction de l’affaire n’ont aucun caractère obligatoire, elles ne l’acquièrent que si et lorsque les parties les ont acceptées ’’(8)
 إذن فبينما يتم حل الكثير من الخلافات عبر التفاوض المباشر بين الطرفين وجود الحاجة لوسيط ، فإن كثيرا من المفاوضات قد تتعثر في مراحل مختلفة، أو أن حدة النزاع لا تسمح بوجود مفاوضات ابتداء بين الأطراف في بعض الأحيان الأمر الذي يحتم الاستعانة بوسيط للمساعدة في دفع عجلة التفاوض إلى الأمام وجسر الهوة بين الطرفين.
 والوساطة عملية طوعية بطبيعتها ولا يجوز للوسيط اتخاذ قرار بات في أساس النزاع، بل إن دوره ينحصر في محاولة تقريب وجهات نظر الطرفين (أو الأطراف) وجسر الهوة بينها، وفي طرح الحلول البديلة أمامهم دون فرض أي منها عليهم(9).
   فالأطراف هنا هم الذين يصنعون النتيجة فوظيفـة الوسيط تقتصر على تيسير التواصل و التفاوض بين الطرفين لا التحكيم بينهم، و ينتج عن ذلك نتيجة هامة من الناحية العملية، تتلخص في قابلية الاتفاقية الناشئة عن الوساطة للتطبيق من الأطراف بشكل تلقائي كونهم هم الذين توصلوا إليها بمحض إرادتهم ولم تفرض عليهم من الخارج.
   ومن الملفت للنظر أن الوساطة تنجح في حل حوالي%75 إلى %90 من الخلافات التي يتفق الأطراف على حلها باستعمال هذه الآلية، فهـي الأساس الـذي يقوم عليـه نظام (ADR) في التجارة الدولية ، فهي الوسيلة الأكثر في نصف العقود التجارية الدولية الكبيرة مثل عقود الإنشاءات الدولية.
    وتتخذ الوساطة أشكالا عديدة فهناك : الوساطة البسيطة ((Simple mediationوهي التي تقترب من نظام التوفيق في وجود شخص يسعى إلى التقريب بين وجهات نطر المتنازعين . وهناك الوساطة تحت شكل قضاء صوري(10) و هي التي يتم فيها تشكيل هيئة يرأسها الوسيط تضم وكلاء عن أطراف النزاع و ذلك للوصول إلى حد مقبول من الطرفين. وهناك الوساطة الاستشارية (Mediation-Consultation) وهي التي يطلب فيها أطراف النزاع من محام أو خبير استشارته أولا في موضوع النزاع ثم يطلبون منه بعد ذلك تدخله كوسيط لحل النزاع. وهناك وساطة التحكيم (Mediation-Arbitration) وهي التي يتفق فيها الأطراف على قيام الوسيط بمهمة التحكيم إذا فشلت مهمته في الوساطـة، وهناك أخيرا الوساطة القضائية Judicial-Mediation) ) وهي المعمول بها في النظم الانجلوسكسونية حيث تقوم المحاكم قبل الفصل في النزاع بعرض اقتراح على الأطراف باللجوء بداية إلى الوساطة، وذلك كما هو الحال في النظام المعــروف باسم
( (Summary Jury Trial حيث يقـوم المحلف المـدني(Civil Jury) قبل الجلسة الرسمية بشرح مختصر للأطراف عن الموقف في الدعوى، ويتوصل معهم إلى إصدار حكم في شكل رأي (Advisory Verdict) يكون بمثابة الأساس الذي تقوم عليه المفاوضات في الوساطة(11).
يتبين مما سبق أن الوساطة تتخذ مجالا أوسع من التوفيق، فهي أكثر عمومية وأكثر مرونة(12).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق