مدى فعالية الوسائل البديلة لحل المنازعات
وعلاقتها بالقضاء
إعداد : أحمد أنوار ناجـي دكتور في الحقوق
وفي هذا الإطار فقد أعد المغرب مشروع قانون رقم 05-08 المتعلق بالتحكيم والوساطة الاتفاقية، كما حث المشرع المغربي على الصلح في أكثر من مناسبة بل أوجبه في قانون المسطرة الجنائية الجديد بشأن جرائم معينة، وتم التركيز على مساطر الصلح في مدونة الأسرة ونزاعات الشغل والأمراض المهنية.
التقييم الحيادي المبكّر (Early Neutral Evaluation)
ويتم التقييم الحيادي المبكر من خلال عرض الأطراف (أو محاميهم) لخلافهم أمام طرف محايد ذي ثقافة قانونية واسعة (محام أو قاضِ سابق) يتمكن من تقييم القضية المعروضة، وبعد أن يلتقي المحايد بالطرفين مجتمعين، يلتقي بكل طرف على حدة ليستمع منه عن التفاصيل المتعلقة بالوقائع والأحداث محل الخلاف ، كما يستطيع الأطراف تقديم بياناتهم الخطية أمام المحايد.
وفي النهاية، يصدر المحايد قراراً يبين من خلاله المراكز القانونية لكل طرف، ولا يكون رأي المحايد هنا ملزماً للأطراف، إذ لا يجبر أي منهم على الأخذ به. وفي الغالب، يأخذ المحايد بعد إصدار "قراره" دور الوسيط، إذ يعمل على محاولة تقريب وجهات النظر بين الطرفين بعد أن بين لهما مراكزهما القانونية، ويطلق على هذه الآلية أيضاً تسمية (التحكيم غير الملزم).
(13)Arbitrage التحكيم
باث التحكيم في الوقت الحاضر الوسيلة الأكثر انتشارا لحسم المنازعـات التجاريـة ويعتبر التحكيم نوعا من القضاء الخاص، فهو وسيلة بديلـة عن قضاء الدولـة يقـوم فيه أطراف النزاع بمحض إرادتهما الحرة على اللجوء إلى التحكيم لحل ما قد يثـور من خلاف أو نزاع في المستقبل بمقتضى قرار له قيمة قضائية. ولذلك يمكن تعريف التحكيم بأنه:" وسيلة يختارها الأطراف لفض المنازعـات الناشئة بينهم عن طريق طرح النزاع للبث فيه بقرار ملزم لهم من قبل شخص أو أشخـاص يعينـونهم بالإتفـاق ويسمـون بالمحكمين وذلك ضمن قواعد يختارها الأطراف أو يتركون للقوانين ذات العلاقة تحديدها ".
ويمكن للأطراف الاتفاق على اللجوء للتحكيم عند بدء العلاقة بينهم وقبل حصول نزاع، كأن يوردوا بنداً في عقدهم يشير إلى موافقتهم على إحالة أي خلاف ينشـأ بينهم للتحكيم
( شرط التحكيم) ، كما يمكن لهـم إبرام اتفاقيـة تحكيم بعد نشوء الخلاف يبينوا فيـها تفاصيـل الخلاف وموافقتهـم على إحالته للتحكـيم (مشارطة التحكيم) ويسمى أحيانـاً (وثيقة التحكيم الخاصة).
ولم يعد خافيا أن التحكيم قد أضحى طريقة مألوفة ومرغوبة لفض المنازعات والتـي تنشأ في الغالب عن علاقات تعاقدية وذلك عوضـا عن اللجوء إلى القضاء، بل أصبـح التحكيم أكثر ضرورة في مجال علاقات التجـارة الدوليـة لأن كلا طرفي هذه العلاقـة لا يرغب عادة الخضوع لقضاة محاكم الطرف الأخر.
وعلى خلاف الوساطة والتقييم الحيادي المبكر، يعتبر التحكيم من حيث نتيجته ملزمـاً، بحيث يملك المحكّم أو هيئة التحكيم سلطة اتخاذ القرار في أساس النزاع والبت فيه، وهذا على خلاف الوسيـط الذي لا يملك هـذه السلطة . كما أن التحكيم متـى اتفـق عليـه (قبل نشوء النزاع أو بعده) يصبـح ملزماً، ويتوجب على الأطراف السير به حتى نهايـة إجراءاته وإصدار القرار المنهي للخصومة من خلاله . ويعتبـر حكم التحكيـم ملزمـاً ويستوي مع القرار الصادر عن المحكمة إذا ما تم تذييله بالصيغة التنفيذية.
ثالثا: مدى فعالية الوسائل البديلة وعلاقتها بالقضاء:
يلقى نظام الوسائل البديلة لحل المنازعات هجوما يبلغ حد العنف أحيانا وخاصة في الدول النامية، فيرى البعض أن الوسائل البديلة (بمفهومها التقليدي) وإن كانت أسبق في الظهور من القضاء، فإن مرجع ذلك يتمثل في تأخر ظهور الدولة بسلطاتها الثلاث، فالقضاء هو سلطة من سلطات الدولة تحقق من خلالها وظيفة إقامة العدالة، وهي وظيفة لا يصح أن يترك أمرها للأفراد، وإلا سادت الفوضى وضاعت حقوق الضعفاء.
فنظام الوسائل البديلة إذا كان ضروريا فهو شر لا بد منه لذلك يجب أن يظل له طابع الاستثناء، فكل القواعد والأحكام التي يكرسها نظام الوسائل البديلة هي من صنع الدول المتقدمة، بل أسهمت وتسهم في تكوين أدبياتها الشركات المتعددة الجنسيات، ولا يحكمها في ذلك إلا تحقيق مصالحها دون اعتداد بمصالح الدول النامية، فنظام الوسائل البديلة هو آلية من آليات النظام العالمي الجديد يستخدمها لضمان ريادة وزعامة دول الشمال المتقدم و بقاء تخلف وتبعية الجنوب المتخلف، فالمقصود بهذا النظام هو منع القضاء الوطني من النظر في المنازعات فهو بمثابة " طوق النجاة" الذي يمكن الشركات العالمية من بسط سيطرتها وتحصين نفسها ضد نزعات القاضي الوطني وتشدد القوانين في دول العالم الثالث.
أضف إلى ذلك يرى هذا الاتجاه أن فكرة إيجاد عدالة التهدئة والتسكين التي تحبذ الحوار بناء على الوساطة ليست فكرة مقبولة دائما، و تعطي الانطباع بأن الوسائل البديلة لتسوية النزاعات تساهم في خلق نوعين من العدالة : وهما العدالة المنتقصة والعدالة التقليدية.
لكن هذا الرأي لا يخلو من المبالغة، فالنظرة الموضوعية تكشف عن أن بطء إجراءات التقاضي وتعدد درجاته وارتفاع تكاليفه في الدول المتقدمة بوجه خاص، يجعل الوسائل البديلة أكثر ملاءمة، فالقضاء بنوء كاهله بعدد من القضايا التي تطرح عليه وفتح باب الوسائل البديلة يسهم في حل المشكلة على الصعيد الوطني خاصة مع توقع ازدياد الوعي بهذا النظام ومزاياه التي تكمن في الآتي:
1- تقليل عدد الدعاوى التي تحال على القضاء، فقد أثبتت تجارب البلدان التي أخذت بهذا النظام بأنها ساهمت بشكل مباشر في تخفيف العبء على المحاكم.
2- محدودية التكاليف واستغلال الوقت .
تؤدي الوسائل البديلة لتوفير الوقت والجهد والنفقات على الخصوم ووكلائهم من خلال إنهاء الدعاوى في مراحلها الأولى، فالوصول إلى حل خارج القضاء يكون من دون شك أسرع وأوفر.
3- خلق بيئـة استثمـارية جاذبـة.
4- يمثل نظام الوسائل البديلة ضمانا له مفعول أكثر من قرار المحكمة، لأنها تكون مبنية على الواقع الحقيقي للأحداث، بينما يشوه هذا الواقع عندما يعرض أمام القاضي، لذا يمكننا القول بأن هذا النظام أقرب إلى الواقع من القضاء.
5- الخصوصيـة:
يكفل هذا النظام محافظة طرفي النزاع على خصوصية النزاع القائم بينهما وذلك بغية خلق روابط جيدة بين الأشخاص أو المؤسسات، كما هو الشأن في الوساطة العائلية فهذا النظام يتيح للزوجين تقييم الأمور والبحث عن مصلحة الأبناء، وإيجاد طرق أفضل للمستقبل بالحوار والاحترام المتبادل مما يساهم في المحافظة على الروابط الاجتماعية.
6- تحقيق مكاسب مشتركة لطرفي النزاع:
فالتسوية النهائية لهذا النظام (خاصة الوساطة) قائمة على حل مرض لطرفي النزاع.
7- المرونـة:
تتسم إجراءات هذا النظام بالمرونة لعدم وجود إجراءات وقواعد مرسومة محددة.
8- المحافظة على العلاقات الوديـة بين الخصوم:
تبقى العلاقات الودية بين الخصوم قائمة في الوساطة بعكس الخصومة القضائية التي تؤدي في الغالب إلى قطع مثل تلك العلاقات.
9- توفير ملتقى لأطراف النزاع قبل بدء المحاكمة:
تسـاعـد جلسات الوساطة على توفيـر ملتقـى أخير بين الخصـوم قد يساهـم في حل النزاع.
10- الحلول الخلاقـة التي يمكن التوصل إليها :
تساعد جلسات نظام الوسائل البديلة على تجاوز العقبات وتوفير الحلول الخلافة والإبداعية لحل النزاع، فلقد عرضت الوساطة أفكارا جديدة لحل الخلافات العائلية تعطي فيها الأولوية لإعداد مشترك للقرارات الضرورية في إعادة تنظيم الأسرة أكثر من الاهتمام بالمطالبة بالحقوق الفردية.
11- تنفيـذ اتفاقيـة التسويـة رضائيـا:
لما كانت اتفاقية التسوية في الوساطة من صنع أطراف النزاع فإن تنفيذها على الأغلب سيتم برضائهم بعكس حكم القضاء الذي يتم تنفيـذه جبـرا.
هكذا قمنا باستعراض أهم مزايا وأهداف نظام الوسائـل البديلـة لحل المنازعات مما يطرح التساؤل عن العلاقة القائمة بين هذه النظم والقضاء؟
الأصل أن نظام الوسائل البديلة يلعب دورا مكملا للقضاء على صعيد تخفيف حجم العبء الملقى على كاهل القضاء، فهو يسير معه جنبا إلى جنب في تحقيق العدالة، إلا أن دور القضاء في الحقيقة يختلف بحسب هل نحن أمام التحكيم أم الوساطة، وهو ما يقتضي منـا بيان هذا الدور في كلا الأمرين:
- فبخصوص التحكيم يلعب القضاء دور المساند لخصومة التحكيم، فحتى يؤدي دوره المنشود كطريق استثنائي أو بديل للقضاء في الفصل في المنازعات، وحتى تتحقق فاعليته، فإن الأمر يقتضي تدخل قضاء الدولة بماله من سلطة عامة يستطيع عن طريقه إجبار الخصوم على تنفيذ قرارات وأحكام المحكمين(14) ، لذلك كان من اللازم أن يتدخل القضاء في مجال التحكيم للمساعدة ولإعطاء الصفة الإلزامية لقراراته وأحكامه، فللقضاء دور مساند لخصومة التحكيم منذ بدء إجراءات التحكيم حيث يتدخل القضاء في تشكيل هيئـة الحكـم حيـث نصت المـادة 309 فـي فقرتـها الثالثـة مـن ق.م.م على أنـه : " إذا تعذر تعيين المحكمين أولم يعينوا مقدما ورفض أحد الأطراف عند قيام منازعة إجراء هذا التعيين من جانبه أمكن للطرف الآخر أن يقدم مقالا إلى رئيس المحكمة الذي سيعطي لحكم المحكمين القوة التنفيذية لتعيين المحكمين بأمر غير قابل للطعن".
وبذلك ينعقد الاختصاص بتعيين المحكم في هذه الحالة لرئيس المحكمة، ولا يتصدى هذا الأخير للتعيين من تلقاء نفسه، ولكن يجب أن يتقدم أحد طرفي التحكيم بطلب إليه لتعيينه، لكن ما ينبغي التنبيه إليه أن رئيس المحكمة وهو يبث في الطلب المقدم إليه يبث فيه في إطار الأوامر المبنية على الطلب طبقا للفصل 148 من ق.م.م وليس في إطار القضاء الاستعجالي طبقا للفصل 149 من ق.م.م(15).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق