تنشر بعض المجلات والصحف من حين لاخر تعاليق على بعض القرارات والاحكام التي تصدر عن المجلس الاعلى او عن بعض المحاكم المغربية. وباعتبار ان البعض منها يأتي على شكل دردشة لا اقل ولا اكثر وفي البعض منها يكون صاحب التعليق خارج الموضوع، فانني ارتأيت ان اتناول في هذا الورقة منهجية التعليق على القرارات القضائية حتى نبقى جميعا في المستوى الاكاديمي المطلوب وتبقى المجلات والصحف المتخصصة مرجعا لكل الحقوقيين من اساتذة جامعيين وطلبة ومحاميين وقضاة وموثقين وغيرهم.
وقبل الكلام عن المنهجية فانه من الضروري شرح مغزى التعليق على القرار الذي يمكن تلخيصه في التحليل الدقيق لقرار قضائي انطلاقا من المعلومات الشخصية التي نتوفر عليها حول الموضوع مقارنة مع اهمية القرار وما سيكون له من اثر او من انعكاس على الفقه والاجتهاد القضائي وعلى التشريع في بعض الاحيان.
والتعليق ينصب عادة على القرارات الصادرة عن المجلس الاعلى باعتبارها مرجعا قضائيا لباقي المحاكم. الا ان التعليق يمكنه ان ينصب على قرارات محاكم استئنافية او محاكم ادارية او تجارية او غيرها.
والمطلوب من الباحث ليس العمل على ايجاد حل للمشكل القانوني باعتبار ان القضاء قد بث فيه ولكنه مناسبة للتأمل ومحاولة لفهم الاتجاه الذي ذهب اليه القضاء.
واول ما يتطبه الامر هو قراءة القرار ( او الحكم ) عدة مرات دون تدوين اي شيء ويجب دراسة كل كلمة وردت في القرار لانه من الصعب التعليق على قرار غير مفهوم. وعلى القارىء ان يولي اهمية للشكل وللمضمون. وتدخل هذه المرحلة ضمن الاعمال التحضيرية للتعليق تبرزعلى اثرها للباحث نقطة او نقطتين او اكثر يجب التركيز عليها ودراستها دراسة معمقة.
.ومن هذا المنطلق يمكن التفكير في مقدمة للتعليق. ولا بد من التذكير بان المقدمة لها اهمية قصوى وتتضمن ثلثي التعليق.
وفي المقدمة ننطلق من المحكمة مصدرة القرار. ونبحث هل القرار صادر عن المجلس الاعلى، وما هي الغرقة المصدرة له، ام هو صادر عن غرفتين مجتمعتين ام عن جميع الغرف مجتمعة ام هو صادر عن محكمة ادنى درجة ونذكر بمراجع القرار ابتداء من رقمه و تاريخ صدوره ورقم الملف.
وذكر المحكمة مصدرة القرار له اهمية قصوى اذ يمكن للباحث ان يقارن في التحليل بين قضاء عدة محاكم لمعرفة الاتجاه الغالب بالنسبة للاجتهاد القضائي ما عدا اذا كان القرار صادر عن المجلس الاعلى فيمكنه مقارنة القرار مع غيره من القرارات الصادرة عن نفس المجلس سواء الصادرة عن نفس الغرفة او عن غرف اخرى او عن غرفتين مجتمعتين او عن جميع الغرف مجتمعة وهذا الامر سيسهل على الباحث ما سيتناوله في صلب التعليق.
كما ان لذكر تاريخ صدور القرار اهمية بالغة لمعرفة هل وقع تحول للاجتهادات السابقة ام انه وقع تفسير جديد لقاعدة قانونية معينة او تم اللجوء الى قاعدة قانونية اخرى، الخ...
ولابد كذلك من معرفة الاطراف وذكر من هو الطالب ومن هو المطلوب في النقض اذا كان الامر يتعلق بقرار للمجلس الاعلى ومن هو المستأنف ومن هو المستأنف عليه اذا كان الامر يتعلق بقرار صادر عن محكمة استئنافية ومن هو المدعي ومن هو المدعى عليه اذا كان الامر يتعلق بحكم صادر عن محكمة ادارية او تجارية او ابتدائية.
وننتقل بعدها الى الوقائع التي ادت الى حدوث النزاع القانوني. و تعرض الوقائع بصفة مختصرة ان كانت بسيطة وموسع فيها ان كانت معقدة.
وبعدها نتطرق للمسطرة المتبعة ثم الى مطالب الاطراف والنقطة النزاعية المطروحة قبل الاعلان عن قرار المحكمة لمعرفة هل استجابت هذه الاخيرة للطلب ام قضت برفضه وما هو التعليل الذي اعتمده المجلس الاعلى او المحكمة مصدرة القرار. وهنا تنتهي المقدمة.
بعد ذلك يبدأ التعليق ونرجع ذهنيا للنقطتين القويتين في القرار ( او اكثر ) ونحاول وضع تصميم على اساسهما ( مقسم الى قسمين او ثلاثة اقسام على ابعد تقدير ) ونعلن عن هذا التصميم. ويجب على الباحث ان يتفحص القرار من الجانب القانوني والقضائي والفقهي و ان يضع صوب عينه النقط الثلاث الاتية : كنه القرار اي الاتجاه الذي ذهب على اساسه القضاة و قيمة القرار بالنسبة لصاحب التعليق اي كيف يجد هذا الاخير التعليل الذي اعتمده القرار و الاثار اوالمدى الذي سيحدثه هذا الاخير بالنسبة للفقه والقضاء.
وننهي التعليق بخاتمة يمكن ان تكون على شكل ملاحظة.
وتجدر الاشارة على ان ما ورد بهذه الورقة هو مجرد ملخص لمنهجية التعليق على القرارات القضائية ويمكن للمهتم ان يرجع للمؤلفات المتعددة التي صدرت في هذا الموضوع حتى يصبح مستوى بعض التعاليق مثار شوق القارىء والباحث لا مثار سخطه ونفوره.
الاستاذ: خالد خالص
المحامي بهيئة الرباط
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق