6- امتياز المحامين الأجانب: أما عن فتح السوق المغربية أمام المقاولات الأجنبية و ما سيستتبع ذلك من زيادة نشاط المحامين المغاربة، فإنه أمر صوري بدوره. إذ المقاولة الأجنبية التي تستقر في المغرب لا تتكل على المحامين المغاربة فيما يخص إدارة أمورها القانونية، بل تحمل معها جيشا من المستشارين القانونيين، منهم محامون أجانب بالطبع. و هؤلاء المحامون هم الذين سيستقرون في المغرب كما ذكر أعلاه، حاملين معهم موكليهم. و قد يقال في هذا الصدد إن هؤلاء المحامين الأجانب الوافدين على الوسط المهني المغربي، ستواجههم نفس المعوقات و المشاكل التي تعترض طريق المغاربة الذين يرغبون في نقل نشاطهم إلى الخارج: فهم أيضا لم يألفوا التعامل مع النظام القانوني المغربي و لا يتقنون اللغة العربية و هي اللغة الرسمية أمام القضاء المغربي، و لا يمكنهم بالتالي الاستقلال في الممارسة عن المهنيين المغاربة. كان ذلك سيصح لو أن المقاولة الأجنبية التي ستستقر في المغرب ضعيفة من الناحية الاقتصادية بحيث تخضع لشروط المقاولات المغربية، و لكن الواقع عكس ذلك، و الأخطر بالنسبة للمهنيين المغاربة أنه سينعكس على الممارسة القانونية المغربية. فيكفي الرجوع إلى مختلف العقود المنظمة لأعمال و صفقات المقاولات الأجنبية بالمغرب، للوقوف على أنها لا تكاد تخلو من ثلاثة شروط:
- أولها شرط التحكيم في فض النزاعات الناشئة عن العقد؛
- و ثانيها شرط اختصاص المحاكم الأجنبية للبت في النزاعات المذكورة؛
- و ثالثها فوق كل ذلك شرط تطبيق القانون الأجنبي.
و معنى ذلك أن نطاق ممارسة المهني المغربي سيتقلص: فشرط التحكيم يمنع عرض النزاع على القضاء، و يحمله أمام هيئات لا يحتكر المحامون حق الدفاع عن حقوق المتقاضين أمامها؛ بل و حتى على فرض العكس، فالمقاولة الأجنبية ستفضل مستشاريها و محاميها هي، إن لم يكن لأسباب خاصة، فبعلة ضرورة تطبيق القانون الأجنبي بموجب العقد، و هو القانون الذي لم يألف المحامي المغربي التعامل معه. و لا داعي بعد كل ذلك إلى تفصيل الحديث عن أثر إسناد الاختصاص لمحكمة أجنبية، لأن الواضح لا يحتاج إلى بيان.
7- الطبقية المهنية: و سينتج عن ذلك واقع غير محمود العواقب و هو تكريس الطبقية بين المحامين، حيث ستظهر طبقة من المحامين المتخصصين و المحتكرين لقانون الأعمال، و هؤلاء هم محامو الدول الأجنبية. في حين لن يبقى لغيرهم من المغاربة، أو على الأقل بالنسبة لأغلبيتهم الساحقة، إلا قضايا الأسرة و القضايا الزجرية و المنازعات المدنية البسيطة. و سيؤثر ذلك لا محالة على الوضعية الاجتماعية لمحامي الطبقة الثانية نظرا لضعف المردود المادي لهذا النوع من القضايا مقارنة مع سابقتها.
8- المحامي و العولمة و الربح المادي: و قد يرد على هذا القول بأن مهنة المحاماة مهنة نبيلة، لا تهدف إلى تحقيق الربح، و أن غرضها بعيد كل البعد عن المردود المادي، و أنه لا وجود لشيء اسمه الطبقية في النزاعات القضائية، و أن على المحامي أن يتعامل مع كافة النزاعات القضائية لأن رسالته في المجتمع أسمى من الماديات. كل هذا كلام جميل، و لكن الواقع العملي يكذبه. ربما كان هذا الكلام صحيحا في عهد خال و غابر، عهد كان فيه المحامون من النبلاء الذين يتخذون المحاماة رسالة في حياتهم، رسالة من أجل إحقاق الحق و تطبيق القانون و ضمان استقرار المجتمع وأمنه. و إننا لنعيش في الخيال و المثاليات بالظن أننا ما نزال في ذلك العهد، لأننا في وقت يتخذ منه المحامي من المهنة مورد عيش، بل و مورد عيشه الوحيد على اعتبار تنافي المهنة مع كل الأنشطة المأجورة. و إنه لمن در الرماد في العيون القول إن المحامين لا يمتهنون المحاماة من أجل كسب حياتهم بل في سبيل أداء رسالة داخل المجتمع. و لا أدل على ذلك من انتقال المحامين بين الدول في إطار العولمة، و توافد الأجانب منهم على الوسط المهني المغربي و كأنهم أدوا رسالاتهم في بلدانهم و أنهوا المشاكل في مجتمعاتهم حتى إذا فضوا فيها كافة النزاعات استداروا للمجتمع المغربي و بان لهم أنه في حاجة لمن يساعد محاميه على حل مشاكله؟؟؟
و حتى على فرض قبول هذا الكلام، و الذي لا يسايره الواقع البتة، فإن رياح العولمة ستعصف بهذا الجانب النظري في المهنة لسببين:
- أولهما أن منطق الأعراف و التقاليد الذي تعرفه المحاماة في المغرب ليس نفسه في كافة دول العالم، إذ العقلية الأنجلو ساكسونية لا تعترف إلا بمنطق الربح من خلال العمل؛
- و ثانيهما أن الهدف الذي يحرك المحامين الأجانب الوافدين على المغرب مادي بالدرجة الأولى، يبغون من خلاله غزو الوسط القانوني في المغرب كما غزت فيه السلع السوق الاقتصادية، و اعتدى فيه قبلها السلاح على السيادة الوطنية.
9- المحاماة و المحامي: من كل ذلك يظهر أحد أهم الآثار السلبية للعولمة على المهنة، حيث ستؤدي العولمة لا محالة إلى التمييز بين المهنة و المهني، أي أنها ستخلق فرقا بين المحامي و المحاماة، بل و ستكرس هذا التمييز الذي ظهر فعلا في الوسط المهني المغربي: فالأثر السلبي لن يمس المهنة في المغرب في حد ذاتها، و لكن شريحة معينة من ممتهنيها. و لكنه سينعكس سلبا و حتما على المهنة فيما بعد مادامت الشريحة المتضررة أكثرية، بل و أكثرية وطنية.فكيف السبيل إلى الحد من مفعول هذه الآثار؟
ثانيا- طرق الحد من عواقب العولمة على المحاماة
10- قانون المهنة بين الوطنيين و الأجانب: يهدف هذا الجزء الثاني من العرض أساسا إلى البحث في مدى إمكانية منع المحامين الأجانب من ممارسة المهنة في المغرب لأن وجودهم فيه يهدد استمرار المحامي الوطني بل و وجوده بالدرجة الأولى. و تكمن أول طريقة لذلك في تكريس الحماية القانونية للمحامي الوطني عبر التشبث بمقتضيات قانون المهنة الذي يقصر حق مزاولتها على المغاربة مبدئيا. و لكن المادتين 5 و 18 من نفس القانون تمنحان الأجانب حق الالتحاق بالهيئات المغربية بشروط معينة، أهمها شرط إبرام اتفاقية تسمح بمزاولة المهنة لرعايا البلدين مع الدولة التي ينتمون إليها. و قد فعل نص المادة 18 مرات عديدة في المغرب و استفاد منه محامون أجانب من أجل التسجيل بجداول بعض الهيئات المغربية. و لكن تطبيقه يثير بعض الملاحظات:
- 11- غياب مبدأ التعامل بالمثل: أولها، أن النص المذكور لا يأخذ بمبدأ التعامل بالمثل فيما بين المغرب و الدولة الأجنبية شرطا من أجل قبول طلبات تسجيل المحامين الأجانب في المغرب. و تترتب عن ذلك نتيجة شاذة تخالف روح الاتفاقيات الدبلوماسية الثنائية القائمة على المبدأ المذكور، و هو إعطاء المحامين الأجانب حقا يحرم منه المحامون المغاربة في الخارج.و أبرز مثال على ذلك أن المشرع الفرنسي يشترط اجتياز اختبار للمعلومات في القانون الفرنسي قبل قبول طلب تسجيل الأجنبي في إحدى الهيئات الفرنسية.أي أن مبدأ المعاملة بالمثل غير محترم في العلاقات المغربية الفرنسية، ليس على المستوى العملي فحسب كما ذكر أعلاه، و لكن على المستوى النظري أيضا، مادام التشريع الفرنسي يضع شرطا لا يعرفه القانون المغربي فيما يخص التحاق محاميي كل من الدولتين بالممارسة في الدولة الأخرى.
- 12- اختبار المعلومات في القانون المغربي: و من هنا تأتي الملاحظة الثانية و التي تتلخص في تقديم مطلب إلى السلطات القائمة على التشريع في المغرب مفاده ضرورة إضافة شرط اجتياز اختبار للمعلومات في القانون المغربي بالنسبة للمحامين الأجانب. صحيح أن مشروع تعديل قانون المهنة يتضمن هذا المقتضى فعلا، و لكن المطلوب تعديل ظهير 1993 النافذ حاليا لأن الأمر لا يحتمل الانتظار، و لأن المشروع الحالي قد تكون الرفوف مآله أمام السيل الهائل من الانتقادات التي واجهته من المحامين. و حبذا لو ينصب الاختبار على المواضيع التي يختص بها القانون المغربي دون غيره من القوانين، أو تلك التي لا يشترك فيها مع باقي النظم القانونية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق