مدى فعالية الوسائل البديلة لحل المنازعات
وعلاقتها بالقضاء
إعداد : أحمد أنوار ناجـي دكتور في الحقوق
وعلى مستوى القضاء المغربي ، فانه يساير التشريعات المقارنة(17) ، وكان موقفه أكثر وضوحا في قضية القـرض العقـاري و السيـاحي ضد شركة هوليـداي إين(18) ، إذ أصدرت محكمة الاستئناف بالدار البيضاء قرارا قضى باختصاص قاصي المستعجلات في إصدار أمر يقضي بمواصلة أعمال البناء.
وعليه نجد معظم التشريعات ولوائح التحكيم في محاولة منها للعثور على أفضل السبل لإيجاد تعاون بين القاضي و المحكم تعطي لطرفي التحكيم حق اللجوء إلى القضاء الوطني لاتخاذ إجراءات وقتية دون أن يكون هذا الاختصاص قاصرا على القضاء وحده.
كذلك يمتد دور القضاء إلى ما بعد صدور حكم التحكيم، فأحكام التحكيم لا تكتسب بذاتها القوة التنفيذية، والتي تخولها الحصول على الحماية القضائية بواسطة التنفيذ الجبري إذ أنها لا تعد سندات تنفيذية، فالقوة التنفيذية لا تخلق حكم التحكيم إلا بصدور أمر خاص من جهة القضاء المختص يسمى الصيغة التنفيذية(19).
فتذييل الحكم بالصيغة التنفيذية يمثل اعترافا من قضاء الدولة بصلاحية الحكم وإمكانية تنفيذه جبرا بكافة الوسائل التي يتيحها القانون، وفي هذا الإطار ينحصر دور القضاء في التأكد من توفر الشروط اللازمة لتنفيذها، دون تدخل في موضوعها، فلا يملك القاضي التحقق من عدالة هذه الأحكام أو صحة قضائها في الموضوع لأنه لا يعد هيئة استئنافية في هذا الصدد، إلا أنه رغم ذلك يضل للقضاء دور كبير في مراقبة أحكام التحكيم للتثبت من صحة إجراءاتها وإمكانية تنفيذها دون أن يتعارض ذلك مع أحكام قطعية سابقة أو يخالف النظام العام في البلد المطلوب التنفيذ فيه(20).
- أما بخصوص الوساطة فالقضاء يلعب دور الفاعل الأصلي والمحرك الأساسي لتحقيق العدالة المتفاوض عليها، والتي أصبحت مصدرا للشرعية في القضاء بشكل عام.
فقد تبين للمؤسسة القضائية بأن أسلوب العمل القضائي التقليدي لا يتيح لها الاستجابة لبعض القضايا عن كتب ، بينما الوساطة تستطيع ذلك مما يجعلها تقوم بدور رئيسي للحلول المتفاوض عليها، وبما أن العدالة تهدف فعليا إلى تأمين السلام الاجتماعي وإعادة بناء الروابط والعلاقات الاجتماعية، وهذا ما يسمى بالعدالة البديلة وهنا تحل الوساطة والوسائل المتعلقة بها مكان القانون الجاهز وتعمل على وضع قانون "على القياس" لكل حالة بمفردها، وهو ما يجعل القضاء يقوم بدور رئيسي في إيجاد الحلول البديلة ، وإن كان البعض يعتقد بأن القضاة عند تطبيق الوسائل البديلة يفقدون سلطاتهم التي تتمثل في اتخاذ القرار ويعتبر الكثيرون بأن الحل القابل للتفاوض خارج الدعوى سينزع قواعد عملهم في القضاء.
خـاتمـة:
إن تطوير الوسائل البديلة لتسوية النزاعات هو أكثر من تطوير فــي الأسلوب، إنه يظهر في الواقع الحاجة إلى تغيير عميق في النظام القضائي المعاصر ينقلنا هذا التغيير من القانون المفروض إلى القانون القابل للمفاوضة، وهذا يعتبر نهاية للدولة صاحبة النفوذ القوي التي تكون فيها القوانين والأنظمة الوسائل الوحيدة والمفضلة لتسوية النزاعات فنحن أصبحنا نعيش في عالم يعطي أهمية كبرى للعقد.
وهذه إشارة بأن القانون موجود خارج الدولة وبهذه الطريقة نكون قد انتقلنا من عدالة صارمة إلى عدالة أكثر ليونة، وذلك عن طريق تفعيل تطبيق أساليب الحلول البديلة باتخاذ مجموعة من الإجراءات:
§ تقنين نظام الوسائل البديلة في نصوص واضحة ومفصلة خالية من الغموض وغير قابلة لعدة تأويلات.
§ نشر وترسيخ ثقافة هذا النظام نظريا وممارسة.
§ مشاركة هيآت الدفاع للعمل على اندماجه وذلك بإدخال تعديلات على القانون المنظم لمزولة مهنة المحاماة بخصوص السماح للمحامي بممارسة مهنة الوساطة.
§ إيجاد مؤسسات أو أشخاص أكفاء ومؤهلين للقيام بهذا النظام.
§ اقتناع الأطراف بجدواه.
■ المساهمة في إنعاش الوسائل البديلة لفض المنازعات.
■ المساهمة في خلق جو من الثقة والاطمئنان الملائم لتحريك الادخار الوطني وجلب الاستثمار الأجنبي عن طريق فض المنازعات بالوساطة والتحكيم.
■ المساهمة في مسيرة بناء التنمية الشاملة والجهوية والحكامة الجيدة عبر إنعاش الوسائل البديلة لفض النازعات.
■ نسج علاقات عمل وشراكة بين الجامعيين ورجال الأعمال والمستثمرين وأسرة القضاء
■ يتطلب إنجاح هذا النظام تحقيق مجموعة من الضمانات منها :
· ضمان النزاهة الذي يتطلب احترام موافقة الأطراف المتنازعة.
· ضمان السرية.
· ضمان الحياد واستقلالية الوسيط.
· ضمان أشكال الاتفاق.
هوامش:
1-هناك من يعرفها بكونها وسائل أو عمليات مختلفة تستخدم لحل المشكلات أو المنازعات خارج نطاق المحاكم والهيئات القضائية الرسمية.
2- http://justice.gov.ma/ar/Actualies
3- هكذا أقرت منظمة التجارة العالمية آلية لفض النزاعات التي قد تحدت بين الدول تعتمد على مبدأ المصالحة الدولية كآلية أساسية ينبغي اللجوء إليها أولا ، ولا يتم اللجوء إلى التحكيم إلا بعد إخفاق المشاورات ،كذلك أقرت المادة 67 من الشروط العامة للإتحاد الدولي للمهندسين الاستشاريين المعروف باسم-fidc- حيث تنص على اللجوء إلى الوساطة قبل اتخاذ طريق التحكيم.
4-للمزيد من التفصيل حول التطور التاريخي للوسائل البديلة راجع
عبد الحميد الأحدب ، منازعات الملكية الفكرية،ورقة عمل مقدمة لمركز القاهرة للتحكيم التجاري الدولي في ندوة حول "التراخيص في مجاال الملكية الفكرية وتسوية المنازعات الناشئة عنها" 9 – 20 مارس 1998
5-أحمد يوسف خلاوي ،أنواع التحكيم ص 9 مقال منشور على الانترنت www.moj.gov.sa/documentations/tahkeem/5new.doc
7- أحمد صالح مخلوف ، اتفاق التحكيم كأسلوب لتسوية منازعات عقود التجارة الدولية،رسالة دكتوراه ،جامعة القاهرة 2000ص18-20.
8-FOUCHARD (ph) L’arbitrage judiciaire ; in ; Etudes offertes a pierre BELLETT ;Litec ;paris 1991 ;p 167
9-وإن كان البعض يرى أنه يمتنع على الوسيط حتى القيام بطرح حلول بديلة على الأطراف، إذ أن دوره في هذه الحالة ينقلب لدور الموفّق وتنقلب العملية إلى التوفيق(Conciliation).
10-Mediation in the form of mock proceedings وتعرف بالإنجليزية باسم
11-انظر نحو دراسة مفصلة للصور المختلفة للوساطة:
Jean-claude Goldsmith, "les modes de règlement amiable des différends."
Rdal.1996, p.221.
12-B.Oppetit, "Arbitrage, Médiation et conciliation" Rev.arb.1984, p.307
13-حمزة حداد ، التحكيم كوسلة بديلة لتسوية المنازعات التجارية، ورقة عمل مقدمة لندوة محامو المستقبل المنعقدة في عمان-الأردن تشرين أول/.1998
14-رضا السيد عبد الحميد " مسائل التحكيم-الكتاب الأول-تدخل القضاء في التحكيم بالمساعدة والرقابة." دار النهضة العربية 2003 ص 4.
15-قرار المجلس الأعلى رقم 16 بتاريخ 05-01-2000 في الملف التجاري رقم 3538/94 منشور بمجلة العمل القضائي والتحكيم التجاري العدد 7/2005، سلسلة دفاتر المجلس الأعلى من 165-170
16- عبد الله درميش، التحكيم الدولي في المواد التجارية- رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص ،كلية الحقوق الدار البيضاء1983-1984ص226.
17-- نفس الأحكام نص عليها :
-قانون التحكيم المصري في المادة 14 منه، القانون التونسي (المادة62) ،القانون الجزائري (المادة 458)، القانون البلجيكي (الفقرة الثانية من المادة 1679) ، القانون الألماني (المادة 1033) ، وهو نفس التوجه الذي اتبعته محكمة النقض الفرنسية في قرارها الصادر في 18/11/1986 ، وكذلك مشروع مدونة التحكيم المغربي في الفقرة الثانية من المادة 23.
18- - قرار 1973 ملف رقم 42 473 ، قرار عدد 1905 ، مشار إليه في رسالة عبد الله درميش ،المرجع السابق ص 226-227.[1]
19- - فالفصل 320 من ق.م.م ينص على أنه:" يصير حكم المحكمين قابل للتنفيذ بأمر رئيس المحكمة الابتدائية التي صدر في دائرة نفوذها ".
20- فالفصل 321 من ق.م.م ينص على أنه لا يتأتى لرئيس المحكمة الابتدائية أو للرئيس الأول لمحكمة الاستئناف أن ينظر بعد تقديم المقال الي بأي وجه في موضوع القضية غير أنه ملزم بالتأكد من أن حكم المحكمين غير معيب ببطلان يتعلق بالنظام العام وخاصة بخرق مقتضيات الفصل 306.
هذا وقد استعمل القضاء المغربي فكرة النظام العام لرفض منح الصيغة التنفيذية لكثير من الأحكام الأجنبية الصادرة على الخصوص في قضايا الأحوال الشخصية.
راجع في هدا الصدد، عبد الرحمان مصباحي، التحكيم من خلال العمل القضائي للمجلس الأعلى،منشور في مجلة العمل القضائي والتحكيم التجاري ،سلسلة دفاتر المجلس الأعلى العدد 7/2005ص121-136.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق