الخميس، أبريل 22، 2010

التعليـــق على الحكـــــم الصادر عن المحكمة الإدارية بالربـاط (ج2)


                                       محمـــد المقدم
                                       محامى بهيئة تطوان

مبحث ثاني : الجمع بين دعوى الإلغاء ودعوى التعويض
هنا تكمن أهمية القرار - الحكم - إذ قد اعتبره البعض أول حكم يجمع بين دعوى الإلغاء و دعوى التعويض .
  هل يسمح القانون بهذا الجمع ؟ أم أن القانون به ما يفيد المنع ؟
 للإجابة على هذه الأسئلة يجب استقراء النصوص القانونية التي لها علاقة بالموضوع.
    لقد مر القضاء في مغرب الاستقلال عبر مراحل عدة .(14) لكن أهم ما ميز أو طبع القضاء المغربي هو وجود مرحلتين هامتين مرحلة تميزت بازدواجية القانون و وحدة القضاء و مرحلة ازدواجية القانون و القضاء مع صدور قانون المحاكم الإدارية , حيث اعتبر هذ1ا الحدث نقطة تحول جوهرية بالنسبة للنظام القضائي الذي وضعه سنة 1913 وذلك بالنظر الى انه أسس لثنائية القضاء على مستوى قاعدة الصرح القضائي (15). وهو نفس ما عرفه القضاء المصري حيث كانت تختص المحاكم القضائية بالنظر في أعمال المسؤولية الناتجة عن أعمال الإدارة المعيبة إذا ألحقت ضررا بحق مكتسب (16), ولم تبدأ مرحلة القضاء المزدوج الا مع سنة 1947 حيث تم إنشاء محاكم تختص بالنظر في المنازعات الإدارية (17)
     1/ - المرحلة الأولى كانت تعرف ازدواجية القانون و وحدة القضاء، وقد امتدت هذه المرحلة من فترة ما قبل الاستقلال الى تاريخ إحداث المحاكم الإدارية , اذ بعد استقلال المغرب وجد قضاءه في وضعية صعبة ما بين قضاء عصري وقضاء تقليدي ان صح التعبير , فحاول إدخال تغييرات على النظام القضائي الذي خلفه المستعمر , فتم الحفاظ على النظام المحدث سنة 1913 , بالقدر الذي لا يكون فيه مساس ولا مناف للسيادة الوطنية , ليتم في شتنبر 1957 إحداث المجلس الأعلى(18)  كمحكمة عليا يطعن أمامها بالنقض في القرارات النهائية الصادرة عن محاكم الاستئناف , كما اسند له النظر في طلبات إلغاء المقررات الصادرة عن السلطات الإدارية، فكان المجلس الأعلى صاحب الاختصاص كلما تعلق الأمر بإلغاء قرار بسبب النقط في استعمال السلطة بينما كانت المحاكم الابتدائية هي صاحبة الاختصاص كلما تعلق الأمر بدعوى التعويض عن الأضرار التي يمكن أن يحدثها موظفو المرفق العمومي أو أشخاص المرفق العمومي
  تم بعد ذلك حدث تحول كبير في النظام القضائي المغربي إذ صدرت مجموعة من الظهائر سنة 1974 (19) كان الهدف منها تقريب القضاء من المتقاضين، بالمحاكم، تبسيط المسطرة إلا أن هذا الغير لم يمس في جوهر الأشياء فالمجلس الأعلى أبقى على اختصاصه في الطعون الإدارية، بينما يقين المحاكم الإدارية مختصة في المواد المدنية.... و الإدارية .
    ففي هاته الفترة لم يكن بالإمكان الجمع بين دعوى الإلغاء و دعوى التعويض لسبب بسيط هو أن المجلس كان وحده مختصا في دعاوى الإلغاء بينما كانت المحاكم الابتدائية صاحبة الاختصاص كلما تعلق الأمر بدعاوى التعويض .
   لكن الأمر اختلف بعد إحداث المحاكم الإدارية .
2/ مرحلة إحداث المحاكم الإدارية
    لقد أضفى الخطاب الملكي السامي المؤرخ في 8 ماي 1990 الصيغة الرسمية على مشروع إحداث المحاكم الإدارية، فانتقل المغرب من ازدواجية القانون و وحدة القضاء إلى ازدواجية القضاء، فأصبحت المحاكم الإدارية، هي صاحبة الاختصاص بقوة القانون بالقضايا الإدارية. بالبث ابتدائيا مع مراعاة حق الاستئناف أمام المجلس الأعلى على وجه الخصوص في دعاوى الإلغاء بسبب الشطط في استعمال السلطة في مواجهة قرارات السلطات الإدارية، و في النزاعات المرتبطة بالعقود الإدارية و الدعاوى الرامية إلى المطالبة بالتعويض عن الأضرار التي تتسبب فيها التصرفات و الأعمال ذات الصبغة الإدارية الصادرة عن الأشخاص العموميين .
وأمام هذا الوضع الجديد الذي أصبحت عليه المحاكم الإدارية فليس هناك ما يمنع القاضي الإداري من الجمع بين دعوى الإلغاء ودعوى التعويض دعوى القضاء الشامل , في حكم واحد كلما كانت دعوى التعويض نتيجة الضرر الذي أحدثه القرار الباطل , هذا ما أكده الحكم 98.42 الصادر عن المحكمة الإدارية الابتدائية بوجدة في الملف عدد11/97 مشيرا الى تعليله لعملية الجمع بين دعوى الإلغاء ودعوى التعويض في عريضة واحدة متى كان لهاما ارتباط ومتى تعلقا بنفس الأطراف والأسباب, مؤكدا ان هذا ما درج  عليه القضاء الإداري المغربي .(20)
 أو ليس من المنطقي انه كلما وجد قرار احدث ضررا وتم إلغاؤه يستوجب التعويض , فلماذا نتشبث بضرورة انتظار صدور حكم بإلغاء القرار يحوز قوة الشيء المقضي به , ثم بعد ذلك نتقدم من جديد أمام نفس المحكمة للمطالبة بالتعويض عن الضرر الذي أحدثه ذاك القرار , أو ليس من باب أولى ربحا للوقت وخدمة للقانون وتحقيق  العدالة أن نجمع في طلب واحد دعوى الإلغاء ودعوى التعويض ان كان الضرر نتيجة القرار المطلوب إلغاؤه شريطة احترام مسطرة الطلبين معا شكلا ومضمونا .
كما انه بالرجوع إلى نصوص القانون فلا يوجد أي نص يمنع هذا الجمع , وقد يقول قائل انه بالمقابل لا يوجد نص يسمح بهذا الجمع , نعم لا يوجد نص يسمح ولا يوجد نص يمنع , وأمام سكوت النص تبقى الإباحة هي الأصل , لان الأصل في الأشياء الإباحة وما وجد القانون إلا ليضع شروطا على المباح ويقننه  
ان هذا الحكم يعتبر لبنة في الصرح الذي شيده المحاكم الإدارية منذ نشأتها , رغم حداثتها مقارنة مع غيرها , فالمحاكم الإدارية راكمت في تجربتها الفتية ما لم تستطعه المحاكم العادية رغم قدمها زمنيا وأحسن ما يمكن ان نختم به هذا التعليق ما جاء به المستشار محمد محجوبي في تعليقه على هذا الحكم (....وأما من يقول بان المحكمة الإدارية اكتفت بالقول بإمكانية الجمع بين طلبي الإلغاء والتعويض في حكم واحد , مكتفية بالقول بانه لا يوجد ما يمنع الجمع , دون ان تبرر الأساس الذي يبرر هذا الجمع , فنرد عليه بان يقدم الأساس الذي يمنع ذلك الجمع , خاصة وان المحكمة الإدارية بالرباط عللت حكمها بموجب قاعدة أصولية تجد سندها في عمق تاريخ الفقه الإسلامي وأصوله , وخاصة في المذهب المالي ....ألا وهي ’ المصلحة المرسلة ’أو الاستصلاح ...) (21)
الهوامــــــش
1) ظهير شريف رقم 225 01.91.صادر في 22 ربيع الأول 1414 ( 10 شتنبر 1993 بتنفيذ القانون رقم 41.90 المحدث بموجبه محاكم ظهير شريف رقم 225 01.91.صادر في 22 ربيع الأول 1414 ( 10 شتنبر 1993 بتنفيذ القانون رقم 41.90 المحدث بموجبه محاكم إدارية المنشور بالجريدة الرسمية عدد 4227 بتاريخ 3 نونبر 1993 الصفحة 2168
2) حكم رقم 1003 الصادر عن المحكمة الإدارية بالرباط و هو موضوع التعليق
3)جلة المعيار عدد34 تصدر عن هيئة المحامين بفاس وهي عبارة عن  مداخلة ألقيت في الندوة التي نظمتها المنظمة العربية للعلوم الإدارية والتنمية بالتعاون مع وزارة العدل المغربية بالمعهد العالي للقضاء أيام 11-14 يوليوز 2005.
4) المستشار أحمد الصايغ – محاضرة بتاريخ 28/05/05 مجلة المعيار عدد34
5)حكم عدد 42/98 صادر عن المحكمة الإدارية الابتدائية بوجدة في الملف 11/97 بتاريخ 09/12/98 غير منشور .
6) الفصل 16 من قانون المسطرة المدنية ( يجب على الأطراف الدفع بعدم الاختصاص النوعي أو المكاني قبل كل دفع أو دفاع ) .
7) ينص الفصل 27 من قانون المسطرة المدنية ( يكون الاختصاص محلي بمحكمة الموطن الحقيقي أو المختار للمدعى عليه )و
8) تنص المادة 10 من قانون 90.41 المحدث للمحاكم الإدارية ( تطبق أمام المحاكم الإدارية قواعد الاختصاص المحلي المنصوص عليها في الفصل 27 و ما يليه إلى الفصل 30 من قانون المسطرة المدنية  ).
 9) ينص الفصل 16 من قانون المسطرة المدنية الفقرة الخامسة ( يمكن الحكم بعدم الاختصاص النوعي تلقائيا من لدن محكمة الدرجة الأولى ,
10) تنص المادة 79 من قانون الالتزامات و العقود (الدولة و البلديات مسؤولة عن الأضرار الناتجة مباشرة عن تسيير إدارتها و عن الأخطاء المصلحية لمستخدميها ) .
11) تنص المادة 8 من قانون 90.41 ( تختص المحاكم الإدارية، مع مراعاة أحكام المادتين 9 و 11 من هذا القانون، بالبيت ابتدائيا في طلبات إلقاء قرارات السلطات الإدارية بسبب تجاوز سلطة و في النزاعات المتعلقة بالعقود الإدارية و دعاوى التعويض عن الأضرار التي تسببها أعمال و نشاطات أشخاص ( القانون العام ....).
12) الأستاذ محمد القدوري – مقال بعض الإشكاليات الناجمة عن إحداث المحاكم المختصة . مجلة رسالة المحاماة عدد مزدوج 23-24 ص 62
13) تنص المادة العاشرة على ما يلي  : (يجب أن تقدم طلبات إلغاء القرارات الصادرة الإدارية بسبب تجاوز السلطة داخل أجل سنتين يوما يبتدئ من نشر أو تبليغ القرار المطلوب إلغاؤه إلى المعني بالأمر ) .
14) مشال روسي – كتاب المنازعات الإدارية بالمغرب
15) مشال روسي – كتاب المنازعات الإدارية بالمغرب
16) محمد سليمان الطماوي كتابه القضاء الإداري ص 86
17) المستشار معوض عبدا لتواب – كتابه المجموعة النموذجية في القضاء الإداري المجلد الثاني مكتبة عالم الفكر والقانون للنشر والتوزيع
18) الفصل الأول من ظهير 27 شتنبر 1957 الذي نص _ يحدث مجلس أعلى يعهد اليه بالبث في القضايا الآتية ما لم يصدر نص صريح بخلاف ذلك
1- طلبات النقض ضد الأحكام الاستنافية والأحكام الانتهائية التي تصدرها محاكم الاستئناف وغيرها من المحاكم على اختلاف درجاتها .
2- طلبات إلغاء المقررات الصادرة عن السلطات الإدارية بدعوى الشطط في استعمال السلطة ...) ميشال روسي المرجع السابق
19) ظهير شريف بمثابة قانون بإحداث المحاكم الجماعية ومحاكم المقاطعات وتحديد اختصاصها المؤرخ في 15يوليوز 1974
ظهير شريف بمثابة قانون بشأن التنظيم القضائي المؤرخ في 15 يوليوز 1975
ظهير شريف بمثابة قانون المسطرة المدنية المؤرخ في 28شتنبر 1974 .
20) أصل الحكم المحفوظ بكتابة الضبط بالمحكمة الإدارية بوجدة ( باسم جلالة الملك – قبول دعوى الإلغاء ودعوى التعويض في عريضة واحدة متى كانتا مرتبطتين – نعم ....) وقد كانت المحكمة مشكلة من الأستاذ م.ن رئيسا ومقررا والأستاذ م.ع عضوا والأستاذ ع.تعضوا , بحضور الأستاذ ع.ص , وبمساعدة كاتب الضبط م.رد .
21) مجلة المعيار التي تصدرها هيئة المحامين بفاس عدد34

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق