13- عدم الاعتراف بالمكتب الثانوي: و ثالث الملاحظات أن في النص شرطا ضمنيا لا تنتبه له مجالس الهيئات بمناسبة البت في طلبات الأجانب، و لا القضاء المرفوعة إليه الطعون المقدمة ضد المقررات الصادرة عن المجالس في هذا الشأن. ذلك أن المحامي الأجنبي الوافد على المغرب إنما يتخذ من المكتب الذي يفتحه فيه مكتبا ثانويا، أي أنه يحتفظ بمكتبه في الدولة الأجنبية و بصفته كمحام بها، و يطلب فضلا عن ذلك الانتساب إلى إحدى الهيئات المغربية. و تستجيب المجالس رغما عن ذلك لطلب تسجيله، بل و يعترف له القضاء أيضا بهذا الحق. و ينتج عن ذلك وضع غريب متمثل في ازدواجية الوضعية المهنية للمحامي، لأنه يكون محاميا في كل من المغرب و في الدولة الأجنبية التي وفد منها. و يطرح هذا الوضع مشكلا كبيرا على مستوى الجهة التي يخضع لها المحامي تأديبيا، لأن لكل واحدة من الهيئات التي ينتمي إليها حق ممارسة السلطة التأديبية عليه من جهة، و لأنه لا يعقل أن يعاقب المحامي تأديبيا عن نفس الفعل أكثر من مرة واحدة. و لكن مثل هذا الوضع ما كان ليخلق لو أمعنت الجهات المختصة النظر في مقتضيات الفقرة الرابعة من المادة 18 من قانون المهنة التي تشترط سبق التقييد مدة خمس سنوات على الأقل في إحدى هيئات المحامين في دولة تربطها بالمغرب اتفاقية تسمح لمواطني الدولتين بممارسة المهنة في الدولة الأخرى، لقبول تسجيل المحامي الأجنبي دون حاجة للحصول على شهادة الأهلية و قضاء مدة التمرين. فقد تحمل العبارة المستعملة في المادة 4/18 من قانون المهنة على معنيين:
-الأول: الذين قيدوا مدة خمس سنوات و ما يزالون مقيدين؛
- الثاني: الذين قيدوا مدة خمس سنوات و لم يبقوا كذلك، أي أنهم فقدوا صفة محام.
غير أن استعمال المشرع عبارة "سبق تقييدهم"، يجعل المعنى الثاني أقرب إلى النية التي قصدها، لأن استعمال هذه الصياغة في اللغة العربية يفيد أن الشيء قد وجد في زمن ما و لم يعد كذلك، و لأنه لو قصد المشرع المعنى الأول لما استعمل لفظ "سبق"، و لاكتفى فقط بعبارة "الذين قيدوا". و قد يحتج بأن هذا التفسير واسع جدا و مفتقد لأدنى أساس، لأن النص لا يميز صراحة بين ما إذا كان المحامي المعفى من شهادة الأهلية و التمرين ما يزال محاميا أم لا. و يسهل الرد على هذا الاحتجاج بلفت الانتباه إلى أن هذا التفسير الواسع هو وحده الذي يمكن من رفض طلب التسجيل بإحدى الهيئات المغربية المقدم من طرف المحامي المقيد بجدول هيأة مغربية أخرى، دون ضرورة الحصول على شهادة الأهلية و قضاء فترة التمرين. فما هو الأساس القانوني الممكن اعتماده لرفض هذا الطلب، بدون هذا التفسير؟ قد يقال ردا على هذا السؤال إن المادة 25 من قانون المحاماة تنص صراحة على أنه لا يجوز أن يكون للمحامي أو للمحامين المتشاركين إلا مكتب واحد، فيكون الجواب بأن المقصود من هذا المقتضى عدم جواز مشاركة المحامي غيره من الزملاء في أكثر من مكتب واحد من جهة، و عدم جواز الممارسة بصفة فردية و في إطار المشاركة في وقت واحد من جهة ثانية. بل و يضاف إلى ذلك أن هذا النص لا يتحدث سوى عن المشاركة؛ فما حكم الممارسة الفردية و المساكنة و المساعدة؟ و ما الأساس القانوني الذي يمنع المحامي من فتح أكثر من مكتب في المغرب، دون ضرورة الحصول على شهادة الأهلية و قضاء مدة التمرين في كل مرة، إن لم يكن ذاك الشرح المقدم أعلاه للمادة 4/18 من قانون المهنة؟
14- قصور الحماية القانونية: و لكننا نعلم مدى حدود فعالية الحماية القانونية. فهي أضعف من أن تحصن مركز المحامي الوطني في مواجهة سيل العولمة الجارف، لسبب بسيط و هو خضوع التشريع المغربي لمنطق القوة المفروض عليه من طرف سلطات الدول الأجنبية أثناء الأعمال التحضيرية للاتفاقيات الثنائية؛ ذلك :
+ أن هذه الحماية النظرية التي تقرها المادة 18 من قانون المهنة، قد تهدم بجرة قلم في معرض توقيع اتفاقية ثنائية مع دولة أجنبية تشل مقتضياتها أحكام القانون الداخلي نظرا لسمو الاتفاقية الدولية على القانون الداخلي في التطبيق؛
+ و أنها حماية نظرية فقط إلى الآن، و لم تعرف بعد التطبيق في الواقع العملي. لذلك فالمعول على القضاء المغربي أن يتبنى التفسير المذكور من أجل تكريس الحماية القانونية للمحامين المغاربة.
15- ضرورة التكيف مع العولمة: و عليه، فلا محيد عن إيجاد وسائل أخرى لرفع تحدي العولمة و مواجهته. فالعولمة تيار قوي لا مفر لنا كمحامين مغاربة من ركوبه و السير معه، لأنه سيقتحم مجال عملنا شئنا أم أبينا، و لأننا معنيون بآثاره طال الزمان أم قصر. و التيار يجرف من يتحداه و لا يسير في ركبه. فيكون الحل الحقيقي في البحث عن أفضل الطرق للتكيف مع الوضع و لضمان إمكانية المنافسة على المستوى الوطني قصد الخروج من هذه المواجهة بأقل الخسائر. قد يقال إن التضامن بين المحامين المغاربة و تكتلهم في مجموعة واحدة ضد الغريب القادم من الخارج من شأنه أن يخفف وطأة هذا الغزو الزاحف، لأن المحامين الأجانب لن يستطيعوا التكيف وحدهم مع خصوصيات القانون و الممارسة القضائية المغربيين. و لكن ذلك ضرب من المثالية و الخيال لأنه يفترض إيثارا على النفس قل نظيره، و لأن المحامي بشر تهمه مصلحته الآنية و الخاصة قبل كل شيء.
16- التكوين: و تكون أفضل طريقة لرفع التحدي في الرجوع إلى الأسباب التي ستجعل العولمة ذات أثر سلبي على المهنيين المغاربة و محاولة مقاومتها. و سيتضح من خلال ذلك أن العائق في المحامين المغاربة بالدرجة الأولى، و أنهم وحدهم قادرون على تجاوزه من خلال تدعيم تكوين المحامي لنفسه على كافة الأصعدة، بدءا بالمجال القانوني و مرورا بالمعلوماتي و وصولا إلى اللغوي. إذ لا يكفي التكوين الذي تلقاه المحامي في كلية الحقوق بل عليه الاطلاع على باقي الفروع القانونية التي لا تدرس في المدرجات. كما لا يعقل أن لا يتقن المحامي التعامل مع الإعلاميات و هي مركز المعاملات في الوقت الحالي.
دون نسيان أهمية اللغات في حياة المحامي، خاصة الفرنسية و الإنجليزية و الأسبانية، لأنه بلا لغات أجنبية يبقى المحامي المغربي حبيس وسط ضيق و محدود.
17- مسؤولية السياسات التعليمية: على أن المنطلق الأساسي لبلوغ ذلك هو إعادة النظر في النظام التعليمي المغربي منذ المرحلة الابتدائية إلى غاية مرحلة الدراسات الجامعية، لأن تكوين المحامي ينطلق بتكوين الطفل في المدرسة و الشاب في الثانوية و رجل القانون في الجامعة. فالمطلوب من المحامي هو استكمال النقص في التكوين و ليس بدء التكوين من أوله. و الحقيقة أن المسؤول الأول عن تدني المستوى المعرفي و الثقافي لمكونات المجتمع المغربي، هو النظام التعليمي العقيم المطبق منذ مدة. إذ لا يمكن أن تطلب من شاب بلغ العشرين من عمره أن يتقن اللغة الأجنبية التي لم يدرسها قط في حياته، كما لا يمكن أن يعاب على المجاز في القانون جهله لقواعد القانون الدولي الخاص أو قانون المنافسة أو الملكية الصناعية مثلا، و الحال أن الحيز الزمني المخصص لمقررات سنوات الإجازة لم يكن يسمح باستعراض المبادئ العامة للقانونين المدني و التجاري.
خــاتــــــــمــــــة
18- العولمة و المحامي و المجتمع: قد تنتقد هذه الأسطر من وجهين، أولهما أنها تصور العولمة وخيمة العواقب على المهنة في المغرب، و ثانيهما أنها موسومة بطابع شخصي يسوده هاجس شريحة من المجتمع تخشى على مستقبلها و على مصالحها من الضياع. و لعمري أن السببين مقصودان، لأن الغد سيوضح جسامة آثار العولمة على هذه الشريحة من المجتمع الذي ننتمي إليه، و من هنا أحد آثارها غير المباشرة على المجتمع المغربي مادام المحامون المغاربة جزءا من هذا المجتمع، يتأثرون به و يؤثرون فيه، في هنائهم راحته، و في شقائهم تعبه. و إن غد العولمة لناظره لقريب. فلماذا لا تضع السلطات المغربية هذه المعطيات نصب عينيها أثناء إبرام الاتفاقيات الدولية، خاصة و أن المغرب يفيد أكثر مما يستفيد من تلك الاتفاقيات؟ ./.
اعداد: جهاد أكرام
محام متمرن بهيئة الدار البيضاء
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق