التعليـــق على الحكـــــم
الصادر عن المحكمة الإدارية بالربـاط (ج1)
محمـــد المقدم
محامى بهيئة تطوان
القاعدة
1) ثبوت واقعة التزوير الذي قام به احد الموظفين المكلفين بالترقيم السري لأوراق الاختبارات فنتج عنه رسوب تلميذة في امتحانات الباكلوريا يجعل من قرار الرسوب مرتكزا على وقائع غير صحيحة ...إلغاؤه .....نعم .
2) تستحق التلميذة تعويضا عن الأضرار التي لحقتها جراء رسوبها في الباكلوريا نتيجة الأخطاء المرفقية .....نعم
ان القضاء الإداري المغربي ما فتئ منذ إحداث المحاكم الإدارية بالقانون رقم 41 لسنة 90 (1)، و الذي شرع في العمل الفعلي بتاريخ 4 مارس 1994، أن يقوم بالدور المنوط به مستلهما أحكام القانون و مستنبطا الأحكام من خلال الاجتهاد حتى أصبح القانون الإداري هو قانون قضائي بامتياز، فالقاضي الإداري كلما عرضت عليه قضية من القضايا على كثرتها لا يتوانى في وضع حكم أو قاعدة تكون أساسا تشريعيا بامتياز سواء تعلق الأمر بقضاء الإلغاء أو القضاء الشامل قضاء التعويض .
و ما الحكم رقم 1003 الصادر في الملف 560/03 ش ت بتاريخ 2004.10.12 (2) إلا نموذجا يؤكد على الدور الرائد الذي يقوم به القضاء الإداري في خلق قاعدة قانونية كلما غاب عن المشرع سنها في القانون الإداري، فالحكم السالف الذكر و الذي تعود و وقائعه إلى تاريخ 28 ماي 2003 حيث تقدمت المدعية ( إلهام بخوصي) بواسطة دفاعها بمقال لدى كتابة الضبط بالمحكمة الإدارية بالرباط تعرض فيه أنها تقدمت كمرشحة حرة لاجتياز امتحان الباكلوريا شعبة العلوم التجريبية المزدوجة تحت رقم 83548 دورة يونيو 2002 بأكاديمية الشاوية و رديغة ثانوية القدس إقليم سطات .بعد الإعلان عن نتائج الامتحان فوجئت الطالبة بحصولها على علامة صفر في مادة الفيزياء و الكيمياء رغم أنها كانت مطمئنة على أجوبتها التي دونتها في ورقة الامتحان الخاصة بهذه المادة .
إثر ذلك تقدم والد الطالبة المدعية لدى الأكاديمية مطالبا إعادة تصحيح ورقة ابنته في مادة الفيزياء، فأشعر الأب بأن النقطة التي حصلت عليها هي المستحقة فعلا نظرا لكونها سلمت الورقة فارغة , والحال ان الطالبة أجابت في هاته المادة وكانت مطمئنة على إجابتها بعد مرور مدة من الزمن توصل والد الطالبة برسالة مجهولة تفيد أن ورقة امتحان ابنته تعرضت لعملية تزوير، على إثر ذلك تقدم أب الطالبة بشكاية للسيد وزير التربية الوطنية لفتح تحقيق في الموضوع، إلا أن مدير الأكاديمية لم يعر الأمر أهمية مما اضطر الأب إلى سلوك مسطرة تقديم بشكاية في الموضوع للنيابة العامة لدى ابتدائية سطات، و خلال إجراء بحث تمهيدي ثبت مما لا يدع مجالا للشك ، وقوع عملية التزوير، فتم إحالة المتهم على المحكمة التي أدانته بسنة ونصف حبسا نافذا بتاريخ 03.04.08 من أجل جريمة التزوير و استعماله و بتعويض لفائدة الطالبة في مبلغ قدره 10.000 درهم و هو الحكم الذي تم تأييده من طرف محكمة الاستئناف بسطات بتاريخ 2003.05.12 .
على إثر ذلك تقدمت الطالبة بتاريخ 2003.05.28 بدعوى أمام المحكمة الإدارية بالرباط تلتمس فيها إلغاء نتيجة امتحان الباكلوريا بدورة يونيو 2002 القاضية برسوبها و إعلان نجاحها مع الحكم لها بتعويض عن الأضرار التي لحقتها جراء ذلك محددة تعويضها في مبلغ 50.000 درهم .
فدفع الوكيل القضائي للمملكة بعدم قبول الدعوى لعدم إمكانية الجمع بين دعوى الإلغاء و دعوى التعويض في عريضة واحدة و أمام نفس القضاء، و لتقديم طلب الإلغاء خارج الأجل القانوني، و الحكم بعدم الاختصاص النوعي لكون الضرر جاء ناتجا عن خطأ شخصي للموظف و أن الإدارة غير مسؤولة عن الأخطاء الشخصية لموظفيها .
و بعد أن أصبحت القضية جاهزة للحكم صدر أمر بالتخلي بلغ لجميع الأطراف لجلسة 2004.06.16، و ذلك لجلسة 2004.09.21 تقرر حجز القضية للمداولة و النطق بالحكم .
حيث صدر الحكم الذي أثار الكثير من الجدل ما بين مؤيد له و معارض, فكان الأستاذ محمد محجوبي أهم من أيد قرار الجمع بين الدعوتين في دعوة واحدة و ذلك في العرض الذي ألقاه في ندوة القضاء الإداري العربي بتاريخ 2005.07.11 .(3) , مخالفا بذلك رأي الأستاذ أحمد الصايغ الذي عاب على الحكم جمعه بين الدعوتين في حكم واحد ( 4) .
فأهمية هذا الحكم الذي اعتبره البعض الأول من نوعه علما أنه قد سبق للمحكمة الإدارية بوجدة أن قررت هذا الجمع في حكمها 42.98 في الملف 11/97 بتاريخ 1998.12.09 (5) تكمن في جمعه بين دعوى الإلغاء ودعوى القضاء الشامل (دعوى التعويض) في حكم واحد , وهو الجمع الذي لم يكن ممكنا سابقا, أي قبل صدور القانون المحدث للمحاكم الإدارية . و قبل مناقشة قضية الجمع وهو ما سنحاول بحثه في مبحث ثاني , سنتطرق أولا لدراسة الحكم من الناحية الشكلية خاصة الدفوع التي أثيرت حول الاختصاص المكاني والاختصاص النوعي وكذا آجال رفع الدعوى في مبحث أول .
مبحث أول :التعليق على شكليات الحكم
لقد أجاب الحكم على مجموعة من الدفوع و نظرا لأهميتها لابد من الوقوف عندها وتسليط الضوء عليها .
1/ مــن حيــث الاختصاص المحلي
إن الاختصاص المحلي منعقد للمحكمة الإدارية بالرباط طالما أن الدعوى وجهت ضد السيد الوزير الأول بمكاتبه بالرباط و هو المسؤول الأول عن عمل الحكومة و متمتع بالشخصية المعنوية و السيد وزير التربية الوطنية بمكاتبه بالرباط، .
فالاختصاص المكاني ليس من النظام العام و إنما يثيره صاحب المصلحة (6) و هذا الشيء لم يتم، على خلاف الاختصاص النوعي الذي يمكن أن تثيره المحكمة من تلقاء نفسها فإن رافع الدعوى له الحق في إقامة الدعوى في مكان النزاع أوفي سكنى المدعى عليه وهو ما نص عليه قانون المسطرة المدنية في الفصل 27 منه (7), وأحالت عليه المادة 10 من قانون 41.90 المحدث للمحاكم الإدارية (8) و هو الشيء الذي قامت به الطالبة إذ قررت مقاضاة أطراف الدعوى في محل إقامتهم فكانت الدعوى موجهة من السيد الوزير الأول و السيد وزير التربية الوطنية و العون القضائي للمملكة بمكاتبهم بالرباط مما تكون المحكمة المختصة ترابيا محليا هي المحكمة الإدارية بالرباط .
2/ من حيث الاختصاص النوعي.
مما لا شك فيه ان قواعد الاختصاص النوعي تكتسي أهمية بالغة في القانون المغربي الشيء الذي يفسر كونها من النظام العام (9) وهو النهج الذي سلكه القاضي الإداري , في هذه النازلة إذ اعتبر انه من خلال وثائق الملف يتضح أن المسؤول عن الخطأ هو الموظف التابع لوزارة التربية الوطنية و التعليم، و إن كان خطأ شخصيا فإن الإدارة مسؤولة عن الأخطاء الشخصية لموظفيها طبقا للمواد79-80 من قانون الالتزامات و العقود المغربي (10)، و المحكمة قد أحسنت صنعا في حكمها الذي قضى بتحميل الإدارة مسؤولية العون التابع لها فجاء تعليلها واضحا ، إذ صرحت أن ( عملية التزوير تمت بمناسبة ممارسة الموظف لمهمة الترقيم السري التي كلف بها، و استعمال وسائل الإدارة .... إضافة إلى تقصيرها في مواكبة عمله و مراقبته لوضع حد لأي تلاعب في الوقت المناسب، هذا فضلا عن تقصيرها في البحث في مدى جدية الشكاية التي تقدم بها والد التلميذة ) .وهذا الاختصاص مسند للمحكمة الإدارية بمقتضى المادة 8 من قانون المحاكم الإدارية (11) , والمادة 12 من نفس القانون التي اعتبرت الاختصاص النوعي من قبيل النظام العام ويجب إثارته قبل المحكمة ولو لم يثره الأطراف , ويجب الفصل فيه بحكم مستقل يكون محل طعن أمام الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى (12)
3/ مــن حيــث الأجــل
إن الطلب جاء داخل الأجل القانوني المنصوص عليه في المادة 10 من قانون 41.90 (13) فالقرار المطعون فيه و إن كان قد صدر في دورة يونيو 2002 و أن الطعن لم يقدم إلا بتاريخ 2003.05.28، فإن شرط رفع الدعوى هو العلم اليقيني بالقرار، أي العلم بكل حيثيات القرار، أن يكون هذا العلم شاملا لمحل القرار و مصدره و أسبابه.
إن الطاعنة لم تعلم بحيثية القرار القاضي برسوبها في امتحان الباكلوريا إلا بعد صدور القرار الاستئنافي بتاريخ 2003.05.12 القاضي بتأييد الحكم المستأنف الصادر عن ابتدائية سطات و القاضي بإدانة الموظف المذكور بتهمة التزوير، آنذاك أقرت الجهة المدعى عليها بالخطأ الذي ارتكبه الموظف التابع لها، و بالتالي و كما جاء في تعليل الحكم الإداري فإن ( الموقف النهائي للطاعنة من القرار لم يتضح إلا مع صدور ذاك الحكم – مما يبقى معه طلب الإلغاء المقدم بتاريخ 2003.05.28 قد جاء داخل الأجل القانوني و يتعين لذلك رد الدفع المثار بهذا الخصوص أيضا.
مما كان معه الحكم قد صدر طبقا للقانون ووفقا له .
هذا من ناحية الشكل و قد كان الحكم في محله و قد أجاب عن جميع الدفوع المتعلقة بالشكل من انعقاد الاختصاص المحلي للمحكمة الإدارية بالرباط دون غيرها، كما أكد انعقاد الاختصاص النوعي، للقاضي الإداري لأن الخطأ يرجع إلى الموظف التابع لوزارة التربية الوطنية و بالتالي فهو خطأ مرفقي، أيضا شمل الحكم تفسير نقطة أساسية من حيث الأجل إذ أنه لا يكفي صدور القرار الإداري حتى يمكن احتساب الأجل , و إنما ينبغي احتساب الأجل من اليوم الذي أصبح فيه القرار معلوما لدى الجهة الطاعنة علما يقينيا شاملا لمضمون القرار و مصدره و أسبابه .
إذا فمــاذا عن الجمـــع بين دعوى الإلغاء و ودعوى التعويض في حكم واحد ؟