الخميس، أبريل 22، 2010

التعليـــق على الحكـــــم الصادر عن المحكمة الإدارية بالربـاط (ج2)

التعليـــق على الحكـــــم
الصادر عن المحكمة الإدارية بالربـاط (ج1)
                                       محمـــد المقدم
                                      محامى بهيئة تطوان
  
القاعدة
1) ثبوت واقعة التزوير الذي قام به احد الموظفين المكلفين بالترقيم السري لأوراق الاختبارات فنتج عنه رسوب تلميذة في امتحانات الباكلوريا يجعل من قرار الرسوب مرتكزا على وقائع غير صحيحة ...إلغاؤه .....نعم .
2) تستحق التلميذة تعويضا عن الأضرار التي لحقتها جراء رسوبها في الباكلوريا نتيجة الأخطاء المرفقية .....نعم
  ان  القضاء الإداري المغربي ما فتئ منذ إحداث المحاكم الإدارية بالقانون رقم 41 لسنة 90 (1)، و الذي شرع في العمل الفعلي بتاريخ 4 مارس 1994، أن يقوم بالدور المنوط به مستلهما أحكام القانون و مستنبطا الأحكام من خلال الاجتهاد حتى أصبح القانون الإداري هو قانون قضائي بامتياز، فالقاضي الإداري كلما عرضت عليه قضية من القضايا على كثرتها لا يتوانى  في وضع حكم أو قاعدة تكون أساسا تشريعيا بامتياز سواء تعلق الأمر بقضاء الإلغاء أو القضاء الشامل قضاء التعويض .
   و ما الحكم رقم 1003 الصادر في الملف 560/03 ش ت بتاريخ 2004.10.12 (2) إلا نموذجا يؤكد على الدور الرائد الذي يقوم به القضاء الإداري في خلق قاعدة قانونية كلما غاب عن المشرع سنها في القانون الإداري، فالحكم السالف الذكر و الذي تعود و وقائعه إلى تاريخ 28 ماي 2003 حيث تقدمت المدعية ( إلهام بخوصي) بواسطة دفاعها بمقال لدى كتابة الضبط بالمحكمة الإدارية بالرباط تعرض فيه أنها تقدمت  كمرشحة حرة لاجتياز امتحان الباكلوريا شعبة العلوم التجريبية المزدوجة تحت رقم 83548 دورة يونيو 2002 بأكاديمية الشاوية و رديغة ثانوية القدس إقليم سطات .بعد الإعلان عن نتائج الامتحان فوجئت الطالبة بحصولها على علامة صفر في مادة الفيزياء و الكيمياء رغم أنها كانت مطمئنة على أجوبتها التي دونتها في ورقة الامتحان الخاصة بهذه المادة .
 إثر ذلك تقدم والد الطالبة المدعية لدى الأكاديمية مطالبا إعادة تصحيح ورقة ابنته في مادة الفيزياء، فأشعر الأب بأن النقطة التي حصلت عليها هي  المستحقة  فعلا نظرا لكونها سلمت الورقة فارغة , والحال ان الطالبة أجابت في هاته المادة وكانت مطمئنة على إجابتها بعد مرور مدة من الزمن توصل والد الطالبة برسالة مجهولة تفيد أن ورقة امتحان ابنته تعرضت لعملية تزوير، على إثر ذلك تقدم أب الطالبة بشكاية للسيد وزير التربية الوطنية لفتح تحقيق في الموضوع، إلا أن مدير الأكاديمية لم يعر الأمر أهمية مما اضطر الأب إلى سلوك مسطرة تقديم بشكاية في الموضوع للنيابة العامة لدى ابتدائية سطات، و خلال إجراء بحث تمهيدي ثبت مما لا يدع مجالا للشك ، وقوع عملية التزوير، فتم إحالة المتهم على المحكمة التي أدانته  بسنة ونصف حبسا نافذا بتاريخ 03.04.08 من أجل جريمة التزوير و استعماله و بتعويض لفائدة الطالبة في مبلغ قدره 10.000 درهم و هو الحكم الذي تم تأييده من طرف محكمة الاستئناف بسطات بتاريخ 2003.05.12 .
   على إثر ذلك تقدمت الطالبة بتاريخ 2003.05.28 بدعوى أمام المحكمة الإدارية بالرباط تلتمس فيها إلغاء نتيجة امتحان الباكلوريا بدورة يونيو 2002 القاضية برسوبها و إعلان نجاحها مع الحكم لها بتعويض عن الأضرار التي لحقتها جراء ذلك محددة تعويضها في مبلغ 50.000 درهم .
   فدفع الوكيل القضائي للمملكة بعدم قبول الدعوى لعدم إمكانية الجمع بين دعوى الإلغاء و دعوى التعويض في عريضة واحدة و أمام نفس القضاء، و لتقديم طلب الإلغاء خارج الأجل القانوني، و الحكم بعدم الاختصاص النوعي لكون الضرر جاء ناتجا عن خطأ شخصي للموظف و أن الإدارة غير مسؤولة عن الأخطاء الشخصية لموظفيها .
  و بعد أن أصبحت القضية جاهزة للحكم صدر أمر بالتخلي بلغ لجميع الأطراف لجلسة 2004.06.16، و ذلك لجلسة 2004.09.21 تقرر حجز القضية للمداولة و النطق بالحكم .
    حيث صدر الحكم الذي أثار الكثير من الجدل ما بين مؤيد له و معارض, فكان الأستاذ محمد محجوبي أهم من أيد قرار الجمع بين الدعوتين في دعوة واحدة و ذلك في العرض الذي ألقاه في ندوة القضاء الإداري العربي بتاريخ 2005.07.11 .(3) , مخالفا بذلك رأي الأستاذ أحمد الصايغ الذي عاب على الحكم جمعه بين الدعوتين في حكم واحد ( 4) .
فأهمية هذا الحكم الذي اعتبره البعض الأول من نوعه علما أنه قد سبق للمحكمة الإدارية بوجدة أن قررت هذا الجمع في حكمها 42.98 في الملف 11/97 بتاريخ 1998.12.09 (5)  تكمن في جمعه بين دعوى الإلغاء ودعوى القضاء الشامل (دعوى التعويض) في حكم واحد , وهو الجمع الذي لم يكن ممكنا سابقا, أي قبل صدور القانون المحدث للمحاكم الإدارية . و قبل مناقشة قضية الجمع  وهو ما سنحاول بحثه في مبحث ثاني , سنتطرق أولا لدراسة الحكم من الناحية الشكلية خاصة الدفوع التي أثيرت حول الاختصاص المكاني والاختصاص النوعي وكذا آجال رفع الدعوى  في مبحث أول .
 مبحث أول :التعليق على شكليات الحكم
        
لقد أجاب  الحكم على مجموعة من الدفوع و نظرا لأهميتها لابد من الوقوف عندها  وتسليط الضوء عليها .
1/ مــن حيــث الاختصاص المحلي
         إن الاختصاص المحلي منعقد للمحكمة الإدارية بالرباط طالما أن الدعوى وجهت ضد السيد الوزير الأول بمكاتبه بالرباط و هو المسؤول الأول عن عمل الحكومة و متمتع بالشخصية المعنوية و السيد وزير التربية الوطنية بمكاتبه بالرباط، .
 فالاختصاص المكاني ليس من النظام العام و إنما يثيره صاحب المصلحة (6) و هذا الشيء لم يتم، على خلاف الاختصاص النوعي الذي يمكن أن تثيره المحكمة من تلقاء نفسها  فإن رافع الدعوى له الحق في إقامة الدعوى في مكان النزاع أوفي سكنى المدعى عليه وهو ما نص عليه قانون المسطرة المدنية في الفصل 27 منه (7), وأحالت عليه المادة 10 من قانون 41.90 المحدث للمحاكم الإدارية (8) و هو الشيء الذي قامت به الطالبة إذ قررت مقاضاة أطراف الدعوى في محل إقامتهم فكانت الدعوى موجهة من السيد الوزير الأول و السيد وزير التربية الوطنية و العون القضائي للمملكة بمكاتبهم بالرباط مما تكون المحكمة المختصة ترابيا محليا هي المحكمة الإدارية بالرباط .
2/ من حيث الاختصاص النوعي.
         مما لا شك فيه ان قواعد الاختصاص النوعي تكتسي أهمية بالغة في القانون المغربي الشيء الذي يفسر كونها من النظام العام (9) وهو النهج الذي سلكه القاضي الإداري , في هذه النازلة  إذ اعتبر انه من خلال وثائق الملف يتضح أن المسؤول عن الخطأ هو الموظف التابع لوزارة التربية الوطنية  و التعليم، و إن كان خطأ شخصيا فإن الإدارة مسؤولة عن الأخطاء الشخصية لموظفيها طبقا للمواد79-80 من قانون الالتزامات و العقود المغربي (10)، و المحكمة قد أحسنت صنعا في حكمها الذي قضى بتحميل الإدارة مسؤولية العون التابع لها فجاء تعليلها واضحا ، إذ صرحت أن ( عملية التزوير تمت بمناسبة ممارسة الموظف لمهمة الترقيم السري التي كلف بها، و استعمال وسائل الإدارة .... إضافة إلى تقصيرها في مواكبة عمله و مراقبته لوضع حد لأي تلاعب في الوقت المناسب، هذا فضلا عن تقصيرها في البحث في مدى جدية الشكاية التي تقدم بها والد التلميذة ) .وهذا الاختصاص مسند للمحكمة الإدارية بمقتضى المادة 8 من قانون المحاكم الإدارية (11) , والمادة 12 من نفس القانون التي اعتبرت الاختصاص النوعي من قبيل النظام العام ويجب إثارته قبل المحكمة ولو لم يثره الأطراف , ويجب الفصل فيه بحكم مستقل يكون محل طعن أمام الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى (12)
3/ مــن حيــث الأجــل
إن الطلب جاء داخل الأجل القانوني المنصوص عليه في المادة 10 من قانون 41.90 (13) فالقرار المطعون فيه و إن كان قد صدر في دورة يونيو 2002 و أن الطعن لم يقدم إلا بتاريخ 2003.05.28، فإن شرط رفع الدعوى هو العلم اليقيني  بالقرار، أي العلم  بكل حيثيات القرار،  أن يكون هذا العلم شاملا لمحل القرار و مصدره و أسبابه.
 إن  الطاعنة لم تعلم بحيثية القرار القاضي برسوبها في امتحان الباكلوريا إلا بعد  صدور القرار الاستئنافي بتاريخ 2003.05.12 القاضي بتأييد الحكم المستأنف الصادر عن ابتدائية سطات  و القاضي بإدانة الموظف المذكور بتهمة التزوير، آنذاك أقرت الجهة المدعى عليها بالخطأ الذي ارتكبه الموظف التابع لها، و بالتالي و كما جاء في تعليل الحكم الإداري فإن ( الموقف النهائي للطاعنة من القرار لم يتضح إلا مع صدور ذاك الحكم – مما يبقى معه طلب الإلغاء المقدم بتاريخ 2003.05.28 قد جاء داخل الأجل القانوني و يتعين لذلك رد الدفع المثار بهذا الخصوص أيضا.
مما كان معه الحكم قد صدر طبقا للقانون ووفقا له .
         هذا من ناحية الشكل و قد كان الحكم في محله و قد أجاب عن جميع الدفوع المتعلقة بالشكل من انعقاد الاختصاص المحلي للمحكمة الإدارية بالرباط دون غيرها، كما أكد انعقاد الاختصاص النوعي، للقاضي الإداري لأن الخطأ يرجع إلى الموظف التابع لوزارة التربية الوطنية و بالتالي فهو خطأ مرفقي، أيضا شمل الحكم تفسير نقطة أساسية من حيث الأجل إذ أنه لا يكفي صدور القرار الإداري حتى يمكن احتساب الأجل , و إنما ينبغي احتساب الأجل من اليوم الذي أصبح فيه  القرار معلوما لدى الجهة الطاعنة علما يقينيا شاملا لمضمون القرار و مصدره و أسبابه .
         إذا فمــاذا عن الجمـــع بين دعوى الإلغاء و ودعوى التعويض في حكم واحد ؟

التعليـــق على الحكـــــم الصادر عن المحكمة الإدارية بالربـاط (ج2)


                                       محمـــد المقدم
                                       محامى بهيئة تطوان

مبحث ثاني : الجمع بين دعوى الإلغاء ودعوى التعويض
هنا تكمن أهمية القرار - الحكم - إذ قد اعتبره البعض أول حكم يجمع بين دعوى الإلغاء و دعوى التعويض .
  هل يسمح القانون بهذا الجمع ؟ أم أن القانون به ما يفيد المنع ؟
 للإجابة على هذه الأسئلة يجب استقراء النصوص القانونية التي لها علاقة بالموضوع.
    لقد مر القضاء في مغرب الاستقلال عبر مراحل عدة .(14) لكن أهم ما ميز أو طبع القضاء المغربي هو وجود مرحلتين هامتين مرحلة تميزت بازدواجية القانون و وحدة القضاء و مرحلة ازدواجية القانون و القضاء مع صدور قانون المحاكم الإدارية , حيث اعتبر هذ1ا الحدث نقطة تحول جوهرية بالنسبة للنظام القضائي الذي وضعه سنة 1913 وذلك بالنظر الى انه أسس لثنائية القضاء على مستوى قاعدة الصرح القضائي (15). وهو نفس ما عرفه القضاء المصري حيث كانت تختص المحاكم القضائية بالنظر في أعمال المسؤولية الناتجة عن أعمال الإدارة المعيبة إذا ألحقت ضررا بحق مكتسب (16), ولم تبدأ مرحلة القضاء المزدوج الا مع سنة 1947 حيث تم إنشاء محاكم تختص بالنظر في المنازعات الإدارية (17)
     1/ - المرحلة الأولى كانت تعرف ازدواجية القانون و وحدة القضاء، وقد امتدت هذه المرحلة من فترة ما قبل الاستقلال الى تاريخ إحداث المحاكم الإدارية , اذ بعد استقلال المغرب وجد قضاءه في وضعية صعبة ما بين قضاء عصري وقضاء تقليدي ان صح التعبير , فحاول إدخال تغييرات على النظام القضائي الذي خلفه المستعمر , فتم الحفاظ على النظام المحدث سنة 1913 , بالقدر الذي لا يكون فيه مساس ولا مناف للسيادة الوطنية , ليتم في شتنبر 1957 إحداث المجلس الأعلى(18)  كمحكمة عليا يطعن أمامها بالنقض في القرارات النهائية الصادرة عن محاكم الاستئناف , كما اسند له النظر في طلبات إلغاء المقررات الصادرة عن السلطات الإدارية، فكان المجلس الأعلى صاحب الاختصاص كلما تعلق الأمر بإلغاء قرار بسبب النقط في استعمال السلطة بينما كانت المحاكم الابتدائية هي صاحبة الاختصاص كلما تعلق الأمر بدعوى التعويض عن الأضرار التي يمكن أن يحدثها موظفو المرفق العمومي أو أشخاص المرفق العمومي
  تم بعد ذلك حدث تحول كبير في النظام القضائي المغربي إذ صدرت مجموعة من الظهائر سنة 1974 (19) كان الهدف منها تقريب القضاء من المتقاضين، بالمحاكم، تبسيط المسطرة إلا أن هذا الغير لم يمس في جوهر الأشياء فالمجلس الأعلى أبقى على اختصاصه في الطعون الإدارية، بينما يقين المحاكم الإدارية مختصة في المواد المدنية.... و الإدارية .
    ففي هاته الفترة لم يكن بالإمكان الجمع بين دعوى الإلغاء و دعوى التعويض لسبب بسيط هو أن المجلس كان وحده مختصا في دعاوى الإلغاء بينما كانت المحاكم الابتدائية صاحبة الاختصاص كلما تعلق الأمر بدعاوى التعويض .
   لكن الأمر اختلف بعد إحداث المحاكم الإدارية .
2/ مرحلة إحداث المحاكم الإدارية
    لقد أضفى الخطاب الملكي السامي المؤرخ في 8 ماي 1990 الصيغة الرسمية على مشروع إحداث المحاكم الإدارية، فانتقل المغرب من ازدواجية القانون و وحدة القضاء إلى ازدواجية القضاء، فأصبحت المحاكم الإدارية، هي صاحبة الاختصاص بقوة القانون بالقضايا الإدارية. بالبث ابتدائيا مع مراعاة حق الاستئناف أمام المجلس الأعلى على وجه الخصوص في دعاوى الإلغاء بسبب الشطط في استعمال السلطة في مواجهة قرارات السلطات الإدارية، و في النزاعات المرتبطة بالعقود الإدارية و الدعاوى الرامية إلى المطالبة بالتعويض عن الأضرار التي تتسبب فيها التصرفات و الأعمال ذات الصبغة الإدارية الصادرة عن الأشخاص العموميين .
وأمام هذا الوضع الجديد الذي أصبحت عليه المحاكم الإدارية فليس هناك ما يمنع القاضي الإداري من الجمع بين دعوى الإلغاء ودعوى التعويض دعوى القضاء الشامل , في حكم واحد كلما كانت دعوى التعويض نتيجة الضرر الذي أحدثه القرار الباطل , هذا ما أكده الحكم 98.42 الصادر عن المحكمة الإدارية الابتدائية بوجدة في الملف عدد11/97 مشيرا الى تعليله لعملية الجمع بين دعوى الإلغاء ودعوى التعويض في عريضة واحدة متى كان لهاما ارتباط ومتى تعلقا بنفس الأطراف والأسباب, مؤكدا ان هذا ما درج  عليه القضاء الإداري المغربي .(20)
 أو ليس من المنطقي انه كلما وجد قرار احدث ضررا وتم إلغاؤه يستوجب التعويض , فلماذا نتشبث بضرورة انتظار صدور حكم بإلغاء القرار يحوز قوة الشيء المقضي به , ثم بعد ذلك نتقدم من جديد أمام نفس المحكمة للمطالبة بالتعويض عن الضرر الذي أحدثه ذاك القرار , أو ليس من باب أولى ربحا للوقت وخدمة للقانون وتحقيق  العدالة أن نجمع في طلب واحد دعوى الإلغاء ودعوى التعويض ان كان الضرر نتيجة القرار المطلوب إلغاؤه شريطة احترام مسطرة الطلبين معا شكلا ومضمونا .
كما انه بالرجوع إلى نصوص القانون فلا يوجد أي نص يمنع هذا الجمع , وقد يقول قائل انه بالمقابل لا يوجد نص يسمح بهذا الجمع , نعم لا يوجد نص يسمح ولا يوجد نص يمنع , وأمام سكوت النص تبقى الإباحة هي الأصل , لان الأصل في الأشياء الإباحة وما وجد القانون إلا ليضع شروطا على المباح ويقننه  
ان هذا الحكم يعتبر لبنة في الصرح الذي شيده المحاكم الإدارية منذ نشأتها , رغم حداثتها مقارنة مع غيرها , فالمحاكم الإدارية راكمت في تجربتها الفتية ما لم تستطعه المحاكم العادية رغم قدمها زمنيا وأحسن ما يمكن ان نختم به هذا التعليق ما جاء به المستشار محمد محجوبي في تعليقه على هذا الحكم (....وأما من يقول بان المحكمة الإدارية اكتفت بالقول بإمكانية الجمع بين طلبي الإلغاء والتعويض في حكم واحد , مكتفية بالقول بانه لا يوجد ما يمنع الجمع , دون ان تبرر الأساس الذي يبرر هذا الجمع , فنرد عليه بان يقدم الأساس الذي يمنع ذلك الجمع , خاصة وان المحكمة الإدارية بالرباط عللت حكمها بموجب قاعدة أصولية تجد سندها في عمق تاريخ الفقه الإسلامي وأصوله , وخاصة في المذهب المالي ....ألا وهي ’ المصلحة المرسلة ’أو الاستصلاح ...) (21)
الهوامــــــش
1) ظهير شريف رقم 225 01.91.صادر في 22 ربيع الأول 1414 ( 10 شتنبر 1993 بتنفيذ القانون رقم 41.90 المحدث بموجبه محاكم ظهير شريف رقم 225 01.91.صادر في 22 ربيع الأول 1414 ( 10 شتنبر 1993 بتنفيذ القانون رقم 41.90 المحدث بموجبه محاكم إدارية المنشور بالجريدة الرسمية عدد 4227 بتاريخ 3 نونبر 1993 الصفحة 2168
2) حكم رقم 1003 الصادر عن المحكمة الإدارية بالرباط و هو موضوع التعليق
3)جلة المعيار عدد34 تصدر عن هيئة المحامين بفاس وهي عبارة عن  مداخلة ألقيت في الندوة التي نظمتها المنظمة العربية للعلوم الإدارية والتنمية بالتعاون مع وزارة العدل المغربية بالمعهد العالي للقضاء أيام 11-14 يوليوز 2005.
4) المستشار أحمد الصايغ – محاضرة بتاريخ 28/05/05 مجلة المعيار عدد34
5)حكم عدد 42/98 صادر عن المحكمة الإدارية الابتدائية بوجدة في الملف 11/97 بتاريخ 09/12/98 غير منشور .
6) الفصل 16 من قانون المسطرة المدنية ( يجب على الأطراف الدفع بعدم الاختصاص النوعي أو المكاني قبل كل دفع أو دفاع ) .
7) ينص الفصل 27 من قانون المسطرة المدنية ( يكون الاختصاص محلي بمحكمة الموطن الحقيقي أو المختار للمدعى عليه )و
8) تنص المادة 10 من قانون 90.41 المحدث للمحاكم الإدارية ( تطبق أمام المحاكم الإدارية قواعد الاختصاص المحلي المنصوص عليها في الفصل 27 و ما يليه إلى الفصل 30 من قانون المسطرة المدنية  ).
 9) ينص الفصل 16 من قانون المسطرة المدنية الفقرة الخامسة ( يمكن الحكم بعدم الاختصاص النوعي تلقائيا من لدن محكمة الدرجة الأولى ,
10) تنص المادة 79 من قانون الالتزامات و العقود (الدولة و البلديات مسؤولة عن الأضرار الناتجة مباشرة عن تسيير إدارتها و عن الأخطاء المصلحية لمستخدميها ) .
11) تنص المادة 8 من قانون 90.41 ( تختص المحاكم الإدارية، مع مراعاة أحكام المادتين 9 و 11 من هذا القانون، بالبيت ابتدائيا في طلبات إلقاء قرارات السلطات الإدارية بسبب تجاوز سلطة و في النزاعات المتعلقة بالعقود الإدارية و دعاوى التعويض عن الأضرار التي تسببها أعمال و نشاطات أشخاص ( القانون العام ....).
12) الأستاذ محمد القدوري – مقال بعض الإشكاليات الناجمة عن إحداث المحاكم المختصة . مجلة رسالة المحاماة عدد مزدوج 23-24 ص 62
13) تنص المادة العاشرة على ما يلي  : (يجب أن تقدم طلبات إلغاء القرارات الصادرة الإدارية بسبب تجاوز السلطة داخل أجل سنتين يوما يبتدئ من نشر أو تبليغ القرار المطلوب إلغاؤه إلى المعني بالأمر ) .
14) مشال روسي – كتاب المنازعات الإدارية بالمغرب
15) مشال روسي – كتاب المنازعات الإدارية بالمغرب
16) محمد سليمان الطماوي كتابه القضاء الإداري ص 86
17) المستشار معوض عبدا لتواب – كتابه المجموعة النموذجية في القضاء الإداري المجلد الثاني مكتبة عالم الفكر والقانون للنشر والتوزيع
18) الفصل الأول من ظهير 27 شتنبر 1957 الذي نص _ يحدث مجلس أعلى يعهد اليه بالبث في القضايا الآتية ما لم يصدر نص صريح بخلاف ذلك
1- طلبات النقض ضد الأحكام الاستنافية والأحكام الانتهائية التي تصدرها محاكم الاستئناف وغيرها من المحاكم على اختلاف درجاتها .
2- طلبات إلغاء المقررات الصادرة عن السلطات الإدارية بدعوى الشطط في استعمال السلطة ...) ميشال روسي المرجع السابق
19) ظهير شريف بمثابة قانون بإحداث المحاكم الجماعية ومحاكم المقاطعات وتحديد اختصاصها المؤرخ في 15يوليوز 1974
ظهير شريف بمثابة قانون بشأن التنظيم القضائي المؤرخ في 15 يوليوز 1975
ظهير شريف بمثابة قانون المسطرة المدنية المؤرخ في 28شتنبر 1974 .
20) أصل الحكم المحفوظ بكتابة الضبط بالمحكمة الإدارية بوجدة ( باسم جلالة الملك – قبول دعوى الإلغاء ودعوى التعويض في عريضة واحدة متى كانتا مرتبطتين – نعم ....) وقد كانت المحكمة مشكلة من الأستاذ م.ن رئيسا ومقررا والأستاذ م.ع عضوا والأستاذ ع.تعضوا , بحضور الأستاذ ع.ص , وبمساعدة كاتب الضبط م.رد .
21) مجلة المعيار التي تصدرها هيئة المحامين بفاس عدد34

ج1-جريمة إهمــــال الأســرة في التشريع المغــربي

جريمة إهمــــال الأســرة في التشريع المغــربي
 
إعداد: زهير الحرش    
باحث في الميدان القانوني
 
 
    تتناثر مفاهيم "العدالة" و "الديموقراطية" و "الحداثة".. و غيرهم من المفاهيم المشابهة في فضاء المنتديات مهما اختلفت مواضيعها ومحاورها، وكأننا في "موضة كلامية" يعمد الجميع إلى توظيفها في فرص التعابير. إلا أن هذا الإصرار على تداولها يبقى مسألة صحية من حيث المبدأ، على أساس أن الإصرار على استعمالها ، و لو على مستوى الخطاب، ينم على نوع من الشغف بها.
    و إذا كانت الأسرة هي أولى حلقات المجتمع، فإن الإهتمام بها و بمختلف مكوناتها يجب أن يحضى بالأولوية في خضم أي مشروع تقدمي، حداثي، ديموقراطي خال من العقد الإجتماعية. وكذا لأن ترسيخ الدعائم القانونية لمؤسسة الأسرة من شأنه أن يكرس العدالة الإجتماعية في أولى حلقاتها.
    ووعيا بالأهمية الكبرى لمؤسسة الأسرة و ضرورة الإهتمام بها، كانت معظم التشريعات حريصة على جعلها في صلب اهتماماتها، و من بينها التشريع المغربـي. وسنتناول في هذا البحث موضوع أو إشكالية  "إهـمال الأسرة " ، وذلك لنتائجه الإجتماعية و غير الإجتماعية الوخيمة.
    إن الزواج باعتباره إحدى أقدس الروابط الإجتماعية و القانونية، حضي أزليا بقيمة رفيعة لدى مختلف المجتمعات البشرية. و هذا التقديس لم يكن لأجل الزواج في حد ذاته بالقدر ما كان للاثار التي يسفر عنها. ذلك أن النظام القانوني إجمالا يجعل من العقد أيا كان موضوعه محل تقديس و اهتمام، فكيف بعقد من نوع خاص ألا وهو عقد الزواج؟؟ و إذا كان النظام القانوني قد أنزل الإلتزامات التعقدية منزلة الرفعة والسمو، فكيف بالإلتزامات الناجمة عن عقد الزواج؟؟
    و إيـمانا من المشرع المغربي بضرورة الحفاظ على الروابط الأسرية، في مسايرة مثيرة منه للمنظور الإسلامي ولتقاليدنا التكافلية، فإنه جعل من جريمة إهمال الأسرة قابلة للتحقق سواء بالإخلال بالإلتزامات الأسرية أو بالتنكر لجمـيل الأصـول.
وسنحاول من خلال هذا البحث، مقاربة إشكالية "إهمال الأسـرة"ً، وذلك بالعمل على استجلاء ماهية إهمال الأسرة من جهة (الفصل الأول)، وبتناولها من زاوية المعالجة التشريعية لها من جهة ثانية (الفصل الثاني).
الفصل الأول:
 فـي ماهـيـة إهــمـال الأســـرة
    إن تناول  أي ظاهرة، لابد من مقاربتها لغويا، إجتماعيا و قانونبا. فتناولها من هذه الزوايا الثلاث كفيل بأن يقربنا من ماهيتها أو بالأحرى من مفهومها.
    وإذا كانت الزاوية اللغوية لاتطرح أية إشكاليات على مستوى المعنى، فإن الزاوية الإصطلاحية التي تتطابق مع الزاوية الإجتماعية تعطينا مفهوما هاما لإهمـال الأسرة. فهي تعني اللامبالات التي قد تصل حد الإستخفاف و الإستهزاء بالإلتزامات الأسرية، ذلك أن نظام الزواج كعلاقة مقدسة أحيط بعدة ضمانات أخلاقية و إجتماعية قبل أن تكون قانونية. وإذا كان تقديس هذا الرباط امرا مسلما به، فإن ذات التسليم يجب أن تحضى به الاثار و النتائج الناجمة عن العلاقة الزوجية، و إن أي إخلال بها إنما هو إهمال و استهتار بنظام الأسرة ككل، و لا تمييز بين الزوج و الزوجة في هذا المضمار، فكل راع وكل مسؤول عن رعيته. كما لا يعتد بحجم الإخلال الذي يتحقق بموجبه إهمال الأسرة و التي تعتبر وحدة متكاملة.
    و بالتالي، فإن المفهوم الإجتماعي لإهمال الأسرة مفهوم واسع جدا ولايضع حدا لصورها، بل يعتبر أن أي إخلال بالإلترامات الأسرية هو إهمال للواجب الأسري و أن الآثم قد يكون الأبناء في مواجهة الاباء أو العكس، كما قد يكون الزوج في مواجهة الزوجة و العكس صحيح أيضا.
    و هذا المفهوم الإجتماعي، و إن كان واضحا و بسيطا، إلا أنه غير دقيق بالمرة. كما أنه يحتمل تأويلات و تنظيرات لا حصر لها.
    أما من الزاوية القانونية، التي تعنينا هنا بالدرجة الأولى، فإننا باستقراء النصوص القانونية المنظمة لإهمال الأسرة، نجد أنها تختلف عن المفهوم الإجتماعي لها، و إن تشاركا في التصور العام.
فما المقصود بإهمال الأسرة وفق المنظور القانوني؟
    إن خطورة الإستهزاء بالرابطة الأسرية، دفع بالمشرع إلى تناول هذه الظاهرة في إطار قانون زجري هو القانون الجنائي بدلا من تناولها في مدونة الأسرة مثلا.
    وهكذا اعتبر المشرع المغربي إهمال الأسرة جريمة، و تناولها مجموعة القانون الجنائي في الكتاب الثالث / الباب الثامن المتعلق بالجنايات و الجنح ضد نظام الأسرة و الأخلاق العامة، و خص لها فرعا مستقلا هو الفرع الخامس و الذي تناول هذه الجريمة في أربعة فصول هي الفصول من 479 إلى 482 ق.ج.
    وإنه بقراءتنا لهذة لهذه الفصول ، نلاحظ أن المشرع الجنائي قسم ضمنيا الإهمال الأسري إلى ثلاث أشكال اساسية و هي:
- الإهمال المــادي          - الإهمـال المالــي          - الإهمـال المعــنوي
         يتجلى الإهمال الأول ( المادي ) في:
* ترك الأب أو الأم لبيت الأسرة دون موجب قاهر لمدة تزيد عن شهرين.
* ترك الزوج ، عمدا و دون موجب قاهر لمدة تزيد عن شهرين، زوجته و هي حامل مع علمه بذلك.
    يتجلى الإهمال الثاني ( المالي ) في:
*الإمساك العمدي عن دفع النفقة إلى الزوجة أو أحد الأصول أو الفروع في الموعد المحدد بموجب حكم نهائي أو قابل للتنفيد المؤقت.
    و يتجلى أخيرا الإهمال الثالث (المعنوي) في:
* تسبب أحد الوالدين في إلحاق ضرر معنوي بالغ بأطفاله أو بواحد أو أكثر منهم، كيفما كان شكل هذا الضرر، و إن كان المشرع المغربي قد أخد على عاتقه إعطاء صور لهذا الضرر المعنوي.

ج2-جريمة إهمــــال الأســرة في التشريع المغــربي

جريمة إهمــــال الأســرة في التشريع المغــربي
 
إعداد: زهير الحرش    
باحث في الميدان القانوني 
 
    من هنا نلاحظ أن جريمة إهمال الأسرة تتحقق بتحقق واحد ، على الأقل ، من الإخلالات الواردة على سبيل الحصر في هذا القانون.
و لنا على الحصر جملة من الملاحظات هي كما يلي:
~ يشترط المشرع في الفقرة الثانية من الفصل 479 ق.ج أن يوجد أطفال حتى يعاقب التارك المتعمد لبيت الزوجية. بدليل استعماله لمصطلحا الأب و الأم بدلا من مصطلحا الزوج و الزوجة. بمعنى أنه في حالة عدم وجود أطفال أو طفل على اللأقل لا تتحقق جريمة إهمال الأسرة.
~ استعمل المشرع في ذات الفقرة من الفصل 479 ق.ج عبارة "بيت الأسرة" و كان أحرى استعمال عبارة "بيت الزوجية" حتى يكون المحل المتروك واضحا.
~ يشترط المشرع أيضا في نفس الفقرة أن تتلازم واقعة الترك هاته حصول تملص من كل او بعض الواجبات المعنوية و المادية لتارك بيت الزوجية.
~ فيما بتعلق بالإمساك عن الإنفاق، يقتصر الفصل 479 ق.ج، لقيام جريمة الإهمال الأسري، على الإمساك العمدي عن الإنفاق على الزوجة أو الفروع أو الأصول في الموعد المحدد بموجب حكم نهائي أو قابل للتنفيد المؤقت. بمعنى أنه في حالة الإمساك عن الإنفاق بموجب إلتزام بالإنفاق لا يشكل إهمالا للأسرة علما أن المادة 197 من مدونة الأسرة تنص على أن أسباب وجوب النفقة هي الزوجية و القرابة والإلتزام.
~ تدخل المشرع المغربي مؤخرا بموجب قانون الأسرة (المادة 202 ق.اسرة) ليجعل التوقف عن اداء النفقة عن الأولاد لمدة أقصاها شهر دون عدر مقبول سببا لتطبيق أحكام إهما الأسرة على الممسك عن أداءها.
~ لم يعد المشرع المغربي يعتبر الزوج وحده المكلف بالنفقة على الأولاد ، بل إن المادة 199 من مدونة   الأسرة توجب النفقة على الأم إذا كانت موسرة و كان الأب معسر. مما يعني إمكانية تطبيق أحكام إهمال الأسرة على الأم إذا متنعت متعمدة عن الإنفاق على أولادها.
~ أورد المشرع الجنائي في الفصل 482 ق.ج صور الضرر المعنوي الذي قد يلحقه أحد الوالدين بأطفاله أو أحدهم، و هذا التحديد التشريعي يطرح عدة تساؤلات حول مدى حصريته. إلا أن استعمال المشرع لبعض المصطلحات الفضفاضة يجعلها تستوعب أي ضرر معنوي للطـفل دون أن نمس بمبدأ التفسير الضيق لنصوص القانون الجنائي و عدم القياس عليها.
    وبعد هذا التحديد لمفهوم إهمال اللأسرة و هذا الجرد للمعنيين بأحكامه،نجد أن ماهية "إهمال الأسرة" وفق المنظور القانوني هو أكثر دقة و شمولية عن غيره.
    ونتطرق في الخطوة الموالية (الفصل الثاني) إلى المعالجة التشريعية لهذه الجريمة.. جريمة إهمال الأسرة.
الفصـل الثاني:
في المعالجة التشريعية لإهمــال الأسـرة
    لما كان إهمال الأسرة يأخذ ، حسب المشرع المغربي، ثلاث أشكال أساسية. و هي الإهمال المادي والمالي و المعنوي. فإننا نرى، و لأسباب بيداغوجية، أن نتناول بالدراسة كل شكل على حدى.
ـ الإهمال المادي: وهو ،كما سبقت الإشارة، يأخد صورتين:
     أولهما يكمن في أن يترك أحد الوادين بيت الزوجية دون عذر قانوني أو موجب قاهر، مع ضرورة وجود أبناء شرعيين على الأقل بالنسبة للاب، أما الام فيمكن متابعتها أيضا حتى لو كان الإبن طبيعيا بالنسبة لها. و هذا الترك يجب أن يزيد عن الشهرين، وواقعة الزمن هاته يمكن إتباثها بكل وسائل الإثبات ، ولا تنقطع إلا بالعودة الفعلية لبيت الزوجية.
    وثانيهما يكمن في أن يترك الزوج زوجته بشكل متعمد في حالة حمل مع علمه بحملها. و الحمل هنا يجب أن يكون منسوبا إلى الزوج، و أن تكون علاقة الزوجية قائمة غير منفصلة بطلاق مثلا، و ليس مجرد علاقة خطبة أو علاقة غير شرعية مثلا. كما يجب أن يستمر هذا الترك أزيد من شهرين و التي يمكن اثباتها أيضا بكل وسائل الإثبات.
    وبتوفر هذين الركنين: الركن المادي (ترك بيت الزوجية)، و الركن المعنوي (القصد الجنائي الذي أشار إليه الفصل 479ق.ج بعبارة "عمدا" و "دون موجب قاهر")، فإن أركان هذه الجريمة تكتمل بوجود المادة 479ق.ج و التي تعاقب عليها بالحبس من شهر إلى سنة و غرامة من 200 إلى 2.000 درهم  سواء تم هذا الإهمال في صورته الأولى أو الثانية.
- الإهمال المالي: يعد الإمساك عن أداء النفقة مربط الفرس في هذا الشكل من الإهمال و خص له المشرع نص الفصل 480ق.ج.
    و النفقة حق للزوجة طالما أن رابطة الزوجية قائمة و طالما لم يصدر في حقها حكم بالرجوع لبيت الزوجية و امتنعت عن الرجوع (المادة 195 ق.أسرة). كما أن النفقة حق للأولاد سواء اتجاه الأب او الأم إذا كانت موسرة و الأب معسرا (م 199 ق.أسرة) و تظل النفقة واجبة على المكلف بها في حق الأولاد إلى حين إعفاءه منها قانونا (م 198ق.أسرة). و أخيرا فإن النفقة على الأصول واجبة على الأبناء بموجب المادة 197 ق.الأسرة، و إن كان المشرع قد استعمل عبارة "الوالدين" بدل "الأصول"، ما يعني إخراج الجد و الجدة ومن علا من خانة المستفيدين من نفقة أحفادهم عليهم. ونتمنى أن يأخد قضاتنا بالمفهوم الواسع للوالدين حتى يشمل الجد و الجدة و إن علا، خاصة و أن الفصل 480 ف.ج استعمل عبارة "الأصول".
    هذا، و يجب لكي تتحقق جريمة إهمال الأسرة أن يصدر في حق المتوقف عن أداء النفقة حكم نهائي أو قابل للتنفيد المؤقت و امتناع المحكوم عليه عمدا مع ذلك عن الأداء. وقد حددت المادة 202 ق.أسرة أجل شهر واحد للمكلف بنفقة الأولاد بأداء النفقة. و هذا الأداء يجب أن يكون كليا غير مجزأ. كما لابد من استحضار نص المادة 365 ق.ل.ع الذي ينص على انه: "لاتقع المقاصة إذا كان أحد الدينين نفقة". و أفرد ق.ج لهذه الجريمة عقوبة جنحية هي الحبس من شهر إلى سنة و غرامة من 200 إلى2.000 درهم. مع ملاحظة أنه غالبا ماتكون هذه العقوبة موقوفة التنفيد و ذلك لتمكين المكلف بالنفقة من توفيرها. إلا أن المشرع نص على أن الحكم بالحبس يكون حتميا في حالة العود.
    ولتحريك مسطرة المتابعة، أوجب المشرع وجود شكوى من الشخص المهمل (الإهمال المادي) أو المستحق للنفقة أونائبه الشرعي (الإهمال المالي)، غير أنها ترفع مباشرة من النيابة العامة عندما يكون النائب الشرعي هو المقترف للجريمة. ويجب أن تسبق المتابعة إعدار المخل بالواجب أو المدين بالنفقة وأن يقوم بما عليه خلال 15 يوما، و يتخد هذا الإعذار شكل استجواب تجريه الشرطة القضائية بطلب من النيابة العامة إلا إذا كان المخل هاربا أو غير متوفر على محل الإقامة، إذ في هذه الحالة يتم الإستغناء عن هذا الإستجواب.
-الإهمال المعنوي: خص المشرع لهذا الإهمال الفصل 482 ق.ج، و هو إهمال خاص بالأطفال. ويتطلب تحقق جريمة الإهمال وفق هذا الشكل حدوث أمرين متلازمين:
    أولهما يكمن في أن يقوم احد الوالدين بأحد التصرفات الواردة في الفصل 482 ق.ج، و هي: سوء المعاملة، إعطاء القدوة السيئة، عدم العناية ثم التقصير في الإشراف الضروري من ناحية الصحة أو الأمن أو الأخلاق.
    وثانيهما يكمن في حصول ضرر معنوي للأبناء أو لأحدهم على الأقل نتيجة هذه التصرفات.
ويطرح نص الفصل 482ق.ج تساؤلات حول مدى حصرية تلك التصرفات الضارة بالأبناء. إلا انه كم سبق الذكر نسجل أن المشرع ربما تعمد استعمال مصطلحات فضفاضة تستوعب مختلف أنواع الأضرار المعنوية التي قد تطال الأبناء بسبب الوالدين و تمس بشرارة جانبهم العاطـفي و النفسي والأخلاقي. و يملك القضاء سلطة تقدير مدى تأثير تصرفات معينة أو مدى تشكيلها لأضرار معنوية على الأبناء حتى تستلزم تطبيق أحكام إهمال الأسرة.
    وقد عاقب المشرع الجنائي هذا الشكل من الإهمال، بالحبس من شهر إلى سنة وغرامة من 200 إلى 500درهم، بالإضافة إلى وجوب الجكم على الآثم بسقوط الولاية الشرعية على الأبناء أو أحدهم كتدبير شخصي. و خول ذات الفصل (482ق.ج) إمكانية الحكم على مرتكب هذه الجريمة بالحرمان من واحد أو أكثر من الحقوق الواردة في الفصل 40ق.ج لمدة تتراوح بين 5 إلى 10 سنوات. 
    وقبل الختام نسجل أنه ليس من الغريب أن نجد أن الإخلال بالإلتزامات و الواجبات الأسرية قد رفعت إلى درجة الجرم، كما ليس من الغريب أن نجد مختلف التشريعات قد تعاملت بحزم مع هذه الظاهرة.
    كما يجب أن نسجل أننا لن ندعي النجاح في التناول المحكم لإشكالية إهمال الأسرة، ذلك أن تناول هذا الموضوع من الزاوية القانونية و الإجتماعية و الأخلاقية أكبر بكثير من أن يشملها موضوع لايتجاوز بضع أسطر. إنما حسبنا فقط تسليط بعض الضوء على هذا الموضوع ~ الإشكال، نظرا لقلة التراكم المعرفي فيه، وكذا محاولة منا لاستجلاء مستجدات مدونة الأسرة مع معطيات جريمة تمس الأسرة وبالتالي المجتمع ألا و هي جريمة " إهمـال الاسـرة ".

ج1-الوسائل البديلة لحل المنازعات

مدى فعالية الوسائل البديلة لحل المنازعات
وعلاقتها بالقضاء
إعداد : أحمد أنوار ناجـي دكتور في الحقوق
مقـدمة :
أصبح اللجوء للوسائل البديلة لحل النزاعات في وقتنا الحالي أمراً ملحـاً، وذلك لتلبية متطلبات الأعمال الحديثة، والتي لم تعد المحاكم قادرة على التصدي لها بشكل منفرد.  فمع التطور المستمر في التجارة والخدمات، وما نتج عن ذلك من تعقيد في المعاملات، وحاجة إلى السرعة والفعالية في بث الخلافات، وتخصصية من قبل من ينظر بهذه الخلافات أو يسهم في حـلها، نشأت الحاجة لوجود آليات قانونية يمكن للأطراف من خلالها حل خلافاتهم بشكل سريع وعادل وفـعّال، مع منحهم مرونة وحرية لا تتوفر عادة في المحاكم.
فلا غرو إذن أن تعرف الوسائل البديلة لحل النزاعات اهتماما متزايدا على صعيد مختلف الأنظمة القانونية و القضائية، وذلك لما توفره هذه الأخيرة من مرونة و سرعة في البت و الحفاظ على السرية وما تضمنه من مشاركة الأطراف في إيجاد الحلول لمنازعاتهم.
ونظرا لما تحتله الوسائل البديلة لحل النزاعات من مكانة بارزة في الفكر القانوني والاقتصادي على المستوى العالمي،وما شهده العالم مند نصف قرن ويزيد من حركة فقهية و تشريعية لتنظيم الوسائل البديلة ، وما تمثله في الحاضر من فعل مؤثر على صعيد التقاضي كان من الطبيعي أن تعمل الدول جاهدة لإيجاد إطار ملائم يضمن لهذه الوسائل تقنينها ثم تطبيقها لتكون بذالك أداة فاعلة لتحقيق وتثبيت العدالة وصيانة الحقوق.
   وانطلاقا من هذا المبدأ وجدت من المناسب وحتى تعم الفائدة ويتخذ هذا البحث صفة الشمولية المطلوبة أن تكون خطة البحت على المنوال التالي :
     أولا : تعريفالوسائل البديلة لحل المنازعات و التطور التاريخي لها
 ثانيا : تحديد مختلف أنواع الوسائل البديلة
 ثالثا : مدى فعالية هذه الوسائل وعلاقتها بالقضاء
   أولا: تعريفالوسائل البديلة لحل المنازعات و التطور التاريخي لها:
 الوسائل البديلـة لفـض المنازعـات (ADR Alternative Dispute Resolution ) ، أو الطرق المناسبة لفض المنازعات كما تسمى في الوقت الحاضر Appropriate Dispute Resolution ، ويعبر عنها أحيانا "فض المنازعات" Dispute Resolution (DR)  ، و هي تلك الآليات التي يلجأ لها الأطراف عوضاً عن القضاء العادي عند نشوء خلاف بينهم، بغية التوصل لحل لذلك الخلاف(1). 
و انطلاقا من هذا المعنى يخرج التقاضي عن إطار هذا التعريف، فهــولا يعد وسيلة بديلة لحل الخلافات بل وسيلة أصيلة،  إذ أن الأصل في الأطراف اللجوء إلى المحاكم ومحاولة حل الخلافات التي بينها عبر التقاضي في حال نشوء خلاف بينها. 
 وعلى الرغم من ذلك، فقد أدى ازدياد لجوء المتنازعين إلى هذه الوسائل في الفترة الأخيرة إلى عدم جواز تسمية تلك الوسائل بـ "البديلة"، ذلك أن كثرة اللجوء إليها أدت إلى تحولها في كثير من الأحيان إلى وسائل أصيلة يلجأ لها الأطراف ابتدءا ، مستفيدين من مزاياها في سرعة حسم النزاع ،والحفاظ على السرية ،وخفض التكاليف في أوضاع كثيرة، إضافة إلى مرونتها من حيث إجراءات حل النزاع والقواعد المطبقة عليه.
 وجدير بالذكر أن الوسائل البديلة لحل المنازعات، قد أصبحت من الوسائل الملائمة للفصل في مجموعة هامة من المنازعات، كما هو الشأن في منازعات التجارة الدولية وحماية المستهلك، والمنازعات الناشئة في بيئة الإنترنت، والتجارة الإلكترونية، والملكية الفكرية في العصر الرقمي وغيرها من المنازعات(2) ، حتى أصبح يطلق على هذه الوسائل بالنظر لطابعها العملي " الطرق المناسبة لفض المنازعات". بل لقد أصبح اللجوء إلى التحكيم مشروطا في غالب الأحيان بضرورة اللجوء مسبقا إلى الوساطة أو التوفيق(3).
التطور التاريخي للوسائل البديلة (4):
 كان القضاء مند القدم ولا يزال الوسيلة الأساسية لحل النزاعات، لكن مع تطور ظروف التجارة والاستثمار الداخلي والدولي أخذت تنشأ إلى جانب القضاء وسائل أخرى لحسم المنازعات ، وبذلك ظهر التحكيم فتطور مع تطور التجارة الدولية والتوظيفات الدولية ، تطور بإجراءات المحاكمة التي اقتربت كثيراً من إجراءات المحاكمات القضائية، ثم بشكلياته التي قربته أكثر من المحاكم القضائية ، ثم جاءت المعاهدات الدولية لتحصنه وتحصن أحكامه ، بحيث لم يعد من المبالغة القول بأن التحكيم لم يعد وسيلة بديلة لحسم المنازعات المدنية والتجارية بل أصبح أو يكاد يصبح الوسيلة الأساسية لحسم منازعات التجارة الدولية.
 وإلى جانب التحكيم ظهرت الوساطة والتوفيق وهذا الشكل من العدالة قديم جدا وهو أقدم من عدالة الدولة، وإذا كانت الوساطة تتم في السابق بشكل بسيط قائم على إصلاح ذات البين ونابعة من العادات والتقاليد السائدة في المجتمع ، فقد كانت مطبقة في العهد القديم في فرنسا بمفهوم المصالحة واستخدمت من جديد بعد الثورة الفرنسية عام 1789 ، وقد ظهرت في الولايات المتحدة خلال الأعوام 1965-1970 ، وأدخلت الوساطة العائلية إلى فرنسا بتأثير من وسطاء مقاطعة الكيبيك في كندا ، وأعد القانون العام أول قانون يتعلق في هذا الموضوع في 3/1/1973 وتبعه قانون 24/12/1976 الذي تم بموجبه تعيين وسيط الجمهورية.
 فقد أخذ التوفيق والوساطة طريقهما ليصبحا أيضاً من الوسائل البديلة لحسم النزاعات، هكذا وضعت اتفاقية المؤسسة العربية لضمان الاستثمار مفاوضات الوساطة والتوفيق وسيلة بديلة لحسم النزاع يرجع إليها لحسم النزاع قبل اللجوء إلى التحكيم.
وكذلك فعلت اتفاقية البنك الدولي بشأن تسوية منازعات الاستثمار بين الدول ومواطني الدول الأخرى ففتحت باب التوفيق قبل التحكيم ونصت على إجراءات لذلك باعتباره وسيلة أخرى من وسائل حسم المنازعات بطريقة ودية.
وكذلك نص نظام المصالحة والتحكيم لغرفة التجارة الدولية على نظام المصالحة الاختيارية ووضع له إجراءات.
وكذلك وضعت اليونسترال (لجنة الأمم المتحدة لقانون التجارة الدولية) قواعد للتوفيق كان لها وقع في المنازعات الدولية وكان لها أثر في نشر التوفيق كوسيلة لحسم المنازعات وديا ، ولكن التوفيق والوساطة بقيا وسيلتين بديلتين لحسم المنازعات ، بديلتين عن القضاء وعن التحكيم إلا أنهما بقيتا وسيلتين نظريتين غير عمليتين وبقى القضاء هو الوسيلة الأساسية ، والتحكيم هو الوسيلة البديلة لحسم المنازعات إلى أن كان عام 1977 في الولايات المتحدة الأمريكية حيث كانت هناك دعوى عالقة أمام القضاء منذ ثلاث سنوات، وكان هناك محامون ومرافعات وخبراء وجلسات ومستندات ونفقات خبرة ونفقات قضائية وأتعاب محامين، وأرهقت الدعوى الطرفين بالوقت والمصاريف، ثم طرحت فكرة وسيلة بديلة لحسم هذا النزاع لماذا لا تؤلف محكمة مصغرة من كل طرف يختار أحد كبار موظفيه ممن له دراية ومعرفة بتفاصيل النزاع ثم يختار الموظفان رئيساً محايداً.
وراقت الفكرة للطرفين وأوقفت إجراءات المحاكمة القضائية وعقدت المحكمة المصغرة جلسة ليست إلزامية في شيء ، واستمرت الجلسة نصف ساعة أدلى بعدها رئيس المحكمة المحايد برأي شفهي لعضوي المحكمة ثم دخل موظفا الطرفين أي عضوي المحكمة إلى غرفة جانبية فدخلا في مفاوضة استمرت نصف ساعة وخرجا ليعلنا اتفاقهما وانتهت الدعوى على خير وسلام ووقف نزيف الوقت والنفقات والرسوم والأتعاب.    وكانت ولادة ما سمي في الولايات المتحدة بـ Alternative Disputes Resolution واختصرت وعرفت بالـ A.D.R أي الوسيلة البديلة لحسم النزاع.
وتطورت هذه الوسيلة وتركزت وأخذت عدة أشكال وانتشرت في الولايات المتحدة الأمريكية انتشارا كبيراً ، لاسيما وأن التحكيم في الولايات المتحدة لم يعرف التقدم الذي وصل إليه في أوروبا ، لأن الأميركيين ما زالوا يجلون المؤسسة القضائية ولم يسلموا بسهولة بعد بالتحكيم كوسيلة بديلة لحسم المنازعات كما فعلت أوروبا التي بقى إجلالها للقضاء على حاله، بل تطوع القضاء للأخذ بيد التحكيم للنهوض وليلعب دوره كوسيلة بديلة لحسم المنازعات تخفف عن القضاء كثيراً من الأعباء وتبقي في كل حال تحت رقابته بعد صدور الحكم.
 والوساطة كوسيلة لحل المنازعات في الولايات المتحدة تأتي بميزتين: أولا: اختصار الوقت فأطول وساطة تستمر من شهر إلى ستة أشهر ، بينما الدعوى أمام القضاء تبقى سنوات طويلة ، وثانياً: فإذا كانت الدعوى مرهقة وثقيلة في النفقات والمصاريف فإن الوساطة كوسيلة بديلة لحسم المنازعات تبدو خفيفة الظل.
 وشهدت الوساطة ازدهارا لم يكن منتظراً ولا متوقعاً وتقبلتها أوساط النزاعات القضائية الأمريكية وأقبلت عليها بجدية واهتمام ، حتى قدرت نسبة الحالات التي أسفرت عن مصالحة بفضل الوساطة كوسيلة بديلة لحسم المنازعات بطريقة ودية بـ 8.% في الولايات المتحدة و 37% في بلدان الشرق الأقصى وتقدمت في الصين وكندا وأستراليا ، ولكن دول القوانين المدنية الأوروبية بقيت حذرة ولم تقبل على هذه الوسيلة البديلة لحسم المنازعات بطريقة الوساطة ، فمحكمة تحكيم غرفة التجارة الدولية في باريس تلقت سنة 1990 ثماني طلبات لحل النزاع بالصلح في حين تلقت 365 طلب تحكيم(5).
وقد أخذت هذه الوسيلة ADR في الولايات المتحدة الأمريكية عدة أشكال نعرضها فيما يلي:

ج2-الوسائل البديلة لحل المنازعات

مدى فعالية الوسائل البديلة لحل المنازعات
وعلاقتها بالقضاء
إعداد : أحمد أنوار ناجـي دكتور في الحقوق
 
1-المحكمة المصغرة:
وتتلخص في أن النزاع يحال إلى هيئة مكونة من رئيس محايد وعضوين يختار كل من الطرفين المتنازعين واحداً منهما من بين كبار موظفيه في مستويات الإدارة العليا ممن لهم دراية بتفاصيل النزاع ، ويتولى العضوان اختيار الرئيس وإن لم يتفقا على شخصه يعينه مرجع يكون متفقاً عليه سلفاً. يلتقي الطرفان للاتفاق على قواعد لإجراءات المحاكمة تختصر إلى أقل درجة ممكنة ، وهكذا يتحدد عدد المستندات التي ستقدم والمهل لتبادل اللوائح بعد جلسة المرافعة التي يجب أن لا تتجاوز اليومين ، يجتمع الموظفان عضوا المحكمة للتفاوض وإذا طلب من الشخص الثالث الحيادي المشاركة في الاجتماع فإنه يعطي رأيه ولكنه يجب أن يبقى شفهياً ... وتستمر المفاوضات بين عضوي المحكمة بغية الوصول إلى مصالحة ، ولكن هذه المفاوضات تبقى سرية لا يمكن كشفها إذا فشلت المفاوضات في الوصول إلى صلح وذهب الطرفان إلى المحكمة القضائية، وإذا كانت المفاوضات مشمولة بالسرية فإن المستندات والإثباتات واللوائح المقدمة خلال المحاكمة المصغرة ليست كذلك بل يمكن إعادة تقديمها إلى المحاكمة القضائية إذا فشل حل النزاع وسارت الأمور إلى دعوى قضائية.
2-وساطة ميتشغان أو المطرقة المخملية:
أمام تراكم الدعاوى على محكمة ميتشغان وجدت هذه مخرجاً يخفف من الأعباء ويفتح باب وسيلة بديلة لحسم المنازعات عن طريق الوساطة ، إذ وضعت محكمة ميتشغان ذاتها إجراءات يلزم أطراف أي نزاع بإتباعها قبل عرض النزاع على المحكمة، ووضعت المحكمة لائحة بعدد من الحقوقيين كوسطاء ، وقبل أن تبدأ إجراءات أي محاكمة يختار كل طرف وسيطاً من الأسماء الواردة على لائحة الوسطاء ويسمي الوسيطان وسيطاً ثالثاً من اللائحة، ويعين قاضي محكمة ميتشغان جلسة وساطة ويبلغها للطرفين وللوسطاء ، وقبل عشرة أيام من الجلسة يقدم كل طرف لائحة مختصرة بإدعاءاته مدعمة بالحجج القانونية وسرد الوقائع كل ذلك باختصار شديد،ويوم الجلسة يحق لمحاميي الطرفين أن يترافعا ولكن باختصار ، والجلسة يجب ألا تتعدى الساعة من الوقت يقدم الوسطاء تقريرهم خلال الأيام العشرة اللاحقة لجلسة المرافعة وللطرفين مهلة 20 يوماً لقبوله أو رفضه، فإذا لم يجيبوا اعتبر ذلك موافقة وقبولا، وإذا قبل قرار الوسطاء يصدر حكم من محكمة ميتشغان بتثبيته ، وإذا رفض أي من الطرفين تستأنف الدعوى سيرها العادي أمام المحكمة ويوضع قرار الوسطاء في مغلف يختم بالشمع الأحمر ولا يفتح إلا بعد صدور الحكم، وعند صدور الحكم يفتح الملف المختوم بالشمع الأحمر ويقارن الحكم بقرار الوسطاء فإذا كان الحكم قد أعطى أكثر مما قرر الوسطاء بـ 10% فإن المدعى عليه هو الذي يتحمل نفقات ورســوم الدعوى، وإذا قررت المحكمة للمدعي أقل بـ 10% مما قرر الوسطاء يتحمل كل فريق نصيبه من النفقات القضائية.
3-الوسيط المحكم:
يقوم الوسيط الذي يختاره الطرفان أو يعينه مرجع بدور الوسيط فإذا فشل تابع طريقه كمحكم يفصل في النزاع،ويكون هذا الشكل من الوسائل البديلة لحسم المنازعات قد اعتمد مبدأ غير مقبول بوجه عام وهو أن يتولى الوسيط التحكيم فيما قام به من وساطة.
ويكون هذا الشكل من الوسائل البديلة قد أعطى الوسيط سلطة إلزامية تؤول إليه بمجرد فشل الوساطة إذ يتحول إلى محكم لفصل النزاع.
4-( استئجار ) قاض:
وتبدو التسمية غريبة ، ولكن هذا الشكل أخذ هذا الاسم في الولايات المتحدة وهو في الحقيقة تكليف قاض الفصل في النزاع.
وقد بدأ هذا النظام في ولايتي كاليفورنيا ونيويورك الأمريكيتين ، وبموجبه يتقدم الأطراف بطلب إلى المحكمة لتعيين محكم يكون عادة قاضياً متقاعداً ينظر بالنزاع بصورة غير رسمية ويصدر فيه حكمـاً تلتزم المحـاكم بتنفـيذه إذا وجدته مناسباً ، ولا يبدو أن هذا النظام قد طبق في أي بلد آخر غير الولايات المتحدة الأمريكية ، كما أنه قد يتعارض مع كثير من النظم التشريعية وقواعد القضاء في العديد من الأنظمة القانونية في العالـم.
5-التحكيم وفقاً لآخر عرض:
هذه الوسيلة البديلة لحل النزاع ليست مبنية على الوساطة بل على التحكيم ، ولكن المحكمة التحكيمية ليست حرة في بحث النزاع بل هي مخيرة في تبني أي مطلب من مطالب طرفي النزاع كما هو بدون زيادة أو نقصان ، أي بدون زيادته أو تنقيصه.
والفكرة من هذه الطريقة هي إجبار الطرفين على تخفيض مطالبهما لأن طلباً مبالغاً فيه سيفضي لأن تتبنى المحكمة التحكيميـة الطلب الآخر كما هو وترد الطلب المبالغ به، ولأن المحكمة التحكيميـة لا تملك سوى حرية اختيار أحد الطلبين كما هو.
هذه فكرة عن أنواع الوسائل البديلة لحسم المنازعات ، ويمكن القول أن هذه الوسيلة البديلة لحل المنازعات عن طريق الوساطة التي انتشرت في الولايات المتحدة أولا ثم عمت اليابان وكندا وأستراليا وتتقدم في سويسرا ، تتميز في أنها توجد وسيطاً يحرك المفاوضات ويخلق مناخاً لتسوية حبية،من هنا تأتي أهمية شخصية الوسيط الذي يتوقف نجاح أو فشل المفاوضات عليه فهو مفتاح هده الوسيلة البديلة.و في البلدان التي انتشرت فيها هذه الوسيلة البديلة لحسم المنازعات بالطريقـة الحبيـة فان دورها يبـدو عصريـا و الإقبال عليها يؤكد أنها تأتي تلبية لحاجة لدى عقلية اجتماعية و ثقافية معينة هي من هذه الزاوية تلعب دورا هاما في حل المنازعات بطريقة عصرية، يشبهها البعض في الولايات المتحـدة بأنها السيـارة في حيـن أن الوسائل الأخـرى هي العربـة والحصان،و لا ريب أن في ذلك مبالغة ، خاصة و أن هذه الوسيلة البديلة قد نجحت كثيرا في مجتمعات معينة ولم تحقق أي نجاح بعد في مجتمعات أخرى كالدول الأوروبية التي تكتفي بالتحكيم كوسيلة عصرية و سريعة و بديلة عن القضاء لحسم المنازعات(6).
ثانيا : تحديد مختلف أنواع الوسائل البديلة
تنقسم طرق فض المنازعات الملائمة أو البديلة ADR إلى أقسام متعددة تختلف تبعا لأساس التقسيـم ، ولعل أفضل تقسيم لها هو تقسيمها من حيث  درجة التدخل intervention  من قبل طرف ثالث في النزاع ، ووفق هذا التقسيم تنقسم هذه الطرق إلى :
المفاوضات    (Négociation)
المفاوضات أو التفاوض هو آليـة  لتسوية النزاع قائم على الحوار المباشر بين الطرفين المتنازعين سعياً لحل الخلاف، ولا يحتاج التفاوض إلى أي طرف ثالث، بل يعتمد على الحوار بين الطرفين مباشـرة ،  إلا أنه لا يوجد ما يمنع من تمثيل المتنازعين بواسطة محامين أو وكلاء لهم، إذ لا يغيّر ذلك من طبيعة التفاوض، ما دام الوكلاء يملكون سلطة اتخاذ القرار عن موكليهم(7).
  الوساطة(Médiation):
 وهي مرحلة متقدمة من التفاوض تتم بمشاركة طرف ثالث (وسيط)، يعمل على تسهيل الحوار بين الطرفين المتنازعين ومساعدتهمـا على التوصل لتسوية، إذن فهي آليـة تقوم على أساس تدخل شخص ثالث محايد في المفاوضات بين طرفين متخاصمين بحيث يعمل هدا المحايد عل تقريب وجهات النظر بين الطرفيـن وتسهيل التواصـل بينهما وبالتالـي مساعدتهما على إيجاد تسوية مناسبة لحكم النزاع.
وفي هذا المعنى يقول الأستاذ Fouchard :
       ‘‘La mission du conciliateur se limite à tenter de concilier les parties, ou à s’efforcer de les amener à une solution mutuellement acceptable. Les propositions ou recommandations qu’il leur présente après l’instruction de l’affaire n’ont aucun caractère obligatoire, elles ne l’acquièrent que si et lorsque les parties les ont acceptées ’’(8)
 إذن فبينما يتم حل الكثير من الخلافات عبر التفاوض المباشر بين الطرفين وجود الحاجة لوسيط ، فإن كثيرا من المفاوضات قد تتعثر في مراحل مختلفة، أو أن حدة النزاع لا تسمح بوجود مفاوضات ابتداء بين الأطراف في بعض الأحيان الأمر الذي يحتم الاستعانة بوسيط للمساعدة في دفع عجلة التفاوض إلى الأمام وجسر الهوة بين الطرفين.
 والوساطة عملية طوعية بطبيعتها ولا يجوز للوسيط اتخاذ قرار بات في أساس النزاع، بل إن دوره ينحصر في محاولة تقريب وجهات نظر الطرفين (أو الأطراف) وجسر الهوة بينها، وفي طرح الحلول البديلة أمامهم دون فرض أي منها عليهم(9).
   فالأطراف هنا هم الذين يصنعون النتيجة فوظيفـة الوسيط تقتصر على تيسير التواصل و التفاوض بين الطرفين لا التحكيم بينهم، و ينتج عن ذلك نتيجة هامة من الناحية العملية، تتلخص في قابلية الاتفاقية الناشئة عن الوساطة للتطبيق من الأطراف بشكل تلقائي كونهم هم الذين توصلوا إليها بمحض إرادتهم ولم تفرض عليهم من الخارج.
   ومن الملفت للنظر أن الوساطة تنجح في حل حوالي%75 إلى %90 من الخلافات التي يتفق الأطراف على حلها باستعمال هذه الآلية، فهـي الأساس الـذي يقوم عليـه نظام (ADR) في التجارة الدولية ، فهي الوسيلة الأكثر في نصف العقود التجارية الدولية الكبيرة مثل عقود الإنشاءات الدولية.
    وتتخذ الوساطة أشكالا عديدة فهناك : الوساطة البسيطة ((Simple mediationوهي التي تقترب من نظام التوفيق في وجود شخص يسعى إلى التقريب بين وجهات نطر المتنازعين . وهناك الوساطة تحت شكل قضاء صوري(10) و هي التي يتم فيها تشكيل هيئة يرأسها الوسيط تضم وكلاء عن أطراف النزاع و ذلك للوصول إلى حد مقبول من الطرفين. وهناك الوساطة الاستشارية (Mediation-Consultation) وهي التي يطلب فيها أطراف النزاع من محام أو خبير استشارته أولا في موضوع النزاع ثم يطلبون منه بعد ذلك تدخله كوسيط لحل النزاع. وهناك وساطة التحكيم (Mediation-Arbitration) وهي التي يتفق فيها الأطراف على قيام الوسيط بمهمة التحكيم إذا فشلت مهمته في الوساطـة، وهناك أخيرا الوساطة القضائية Judicial-Mediation) ) وهي المعمول بها في النظم الانجلوسكسونية حيث تقوم المحاكم قبل الفصل في النزاع بعرض اقتراح على الأطراف باللجوء بداية إلى الوساطة، وذلك كما هو الحال في النظام المعــروف باسم
( (Summary Jury Trial حيث يقـوم المحلف المـدني(Civil Jury) قبل الجلسة الرسمية بشرح مختصر للأطراف عن الموقف في الدعوى، ويتوصل معهم إلى إصدار حكم في شكل رأي (Advisory Verdict) يكون بمثابة الأساس الذي تقوم عليه المفاوضات في الوساطة(11).
يتبين مما سبق أن الوساطة تتخذ مجالا أوسع من التوفيق، فهي أكثر عمومية وأكثر مرونة(12).

ج3-الوسائل البديلة لحل المنازعات

مدى فعالية الوسائل البديلة لحل المنازعات
وعلاقتها بالقضاء
إعداد : أحمد أنوار ناجـي دكتور في الحقوق
وفي هذا الإطار فقد أعد المغرب مشروع قانون رقم 05-08 المتعلق بالتحكيم والوساطة الاتفاقية، كما حث المشرع المغربي على الصلح في أكثر من مناسبة بل أوجبه في قانون المسطرة الجنائية الجديد بشأن جرائم معينة، وتم التركيز على مساطر الصلح في مدونة الأسرة ونزاعات الشغل والأمراض المهنية.

التقييم الحيادي المبكّر   (Early Neutral Evaluation)
   ويتم التقييم الحيادي المبكر من خلال عرض الأطراف (أو محاميهم) لخلافهم أمام طرف محايد ذي ثقافة قانونية واسعة (محام أو قاضِ سابق) يتمكن من تقييم القضية المعروضة، وبعد أن يلتقي المحايد بالطرفين مجتمعين، يلتقي بكل طرف على حدة ليستمع منه عن التفاصيل المتعلقة بالوقائع والأحداث محل الخلاف ،  كما يستطيع الأطراف تقديم بياناتهم الخطية أمام المحايد.
  وفي النهاية، يصدر المحايد قراراً يبين من خلاله المراكز القانونية لكل طرف،  ولا يكون رأي المحايد هنا ملزماً للأطراف، إذ لا يجبر أي منهم على الأخذ به.  وفي الغالب، يأخذ المحايد بعد إصدار "قراره" دور الوسيط، إذ يعمل على محاولة تقريب وجهات النظر بين الطرفين بعد أن بين لهما مراكزهما القانونية، ويطلق على هذه الآلية أيضاً تسمية (التحكيم غير الملزم).
 (13)Arbitrage      التحكيم 
   باث التحكيم في الوقت الحاضر الوسيلة الأكثر انتشارا لحسم المنازعـات التجاريـة ويعتبر التحكيم نوعا من القضاء الخاص، فهو وسيلة بديلـة عن قضاء الدولـة يقـوم فيه أطراف النزاع بمحض إرادتهما الحرة على اللجوء إلى التحكيم لحل ما قد يثـور من خلاف أو نزاع في المستقبل بمقتضى قرار له قيمة قضائية. ولذلك يمكن تعريف التحكيم بأنه:" وسيلة يختارها الأطراف لفض المنازعـات الناشئة بينهم عن طريق طرح النزاع للبث فيه بقرار ملزم لهم من قبل شخص أو أشخـاص يعينـونهم بالإتفـاق ويسمـون بالمحكمين وذلك ضمن قواعد يختارها الأطراف أو يتركون للقوانين ذات العلاقة تحديدها ".
  ويمكن للأطراف الاتفاق على اللجوء للتحكيم عند بدء العلاقة بينهم وقبل حصول نزاع، كأن يوردوا بنداً في عقدهم يشير إلى موافقتهم على إحالة أي خلاف ينشـأ بينهم للتحكيم
( شرط التحكيم) ،  كما يمكن لهـم إبرام اتفاقيـة تحكيم بعد نشوء الخلاف يبينوا فيـها تفاصيـل الخلاف وموافقتهـم على إحالته للتحكـيم (مشارطة التحكيم) ويسمى أحيانـاً (وثيقة التحكيم الخاصة).
 ولم يعد خافيا أن التحكيم قد أضحى طريقة مألوفة ومرغوبة لفض المنازعات والتـي تنشأ في الغالب عن علاقات تعاقدية وذلك عوضـا عن اللجوء إلى القضاء، بل أصبـح التحكيم أكثر ضرورة في مجال علاقات التجـارة الدوليـة لأن كلا طرفي هذه العلاقـة لا يرغب عادة الخضوع لقضاة محاكم الطرف الأخر.
   وعلى خلاف الوساطة والتقييم الحيادي المبكر، يعتبر التحكيم من حيث نتيجته ملزمـاً، بحيث يملك المحكّم أو هيئة التحكيم سلطة اتخاذ القرار في أساس النزاع والبت فيه، وهذا على خلاف الوسيـط الذي لا يملك هـذه السلطة .  كما أن التحكيم متـى اتفـق عليـه (قبل نشوء النزاع أو بعده) يصبـح ملزماً، ويتوجب على الأطراف السير به حتى نهايـة إجراءاته وإصدار القرار المنهي للخصومة من خلاله .  ويعتبـر حكم التحكيـم ملزمـاً ويستوي مع القرار الصادر عن المحكمة إذا ما تم تذييله بالصيغة التنفيذية.
ثالثا: مدى فعالية الوسائل البديلة وعلاقتها بالقضاء:
يلقى نظام الوسائل البديلة لحل المنازعات هجوما يبلغ حد العنف أحيانا وخاصة في الدول النامية، فيرى البعض أن الوسائل البديلة (بمفهومها التقليدي) وإن كانت أسبق في الظهور من القضاء، فإن مرجع ذلك يتمثل في تأخر ظهور الدولة بسلطاتها الثلاث، فالقضاء هو سلطة من سلطات الدولة تحقق من خلالها وظيفة إقامة العدالة، وهي وظيفة لا يصح أن يترك أمرها للأفراد، وإلا سادت الفوضى وضاعت حقوق الضعفاء.
فنظام الوسائل البديلة إذا كان ضروريا فهو شر لا بد منه لذلك يجب أن يظل له طابع الاستثناء، فكل القواعد والأحكام التي يكرسها نظام الوسائل البديلة هي من صنع الدول المتقدمة، بل أسهمت وتسهم في تكوين أدبياتها الشركات المتعددة الجنسيات، ولا يحكمها في ذلك إلا تحقيق مصالحها دون اعتداد بمصالح الدول النامية، فنظام الوسائل البديلة هو آلية من آليات النظام العالمي الجديد يستخدمها لضمان ريادة وزعامة دول الشمال المتقدم و بقاء تخلف وتبعية الجنوب المتخلف، فالمقصود بهذا النظام هو منع القضاء الوطني من النظر في المنازعات فهو بمثابة " طوق النجاة" الذي يمكن الشركات العالمية من بسط سيطرتها وتحصين نفسها ضد نزعات القاضي الوطني وتشدد القوانين في دول العالم الثالث.
أضف إلى ذلك يرى هذا الاتجاه أن فكرة إيجاد عدالة التهدئة والتسكين التي تحبذ الحوار بناء على الوساطة ليست فكرة مقبولة دائما، و تعطي الانطباع بأن الوسائل البديلة لتسوية النزاعات تساهم في خلق نوعين من العدالة : وهما العدالة المنتقصة والعدالة التقليدية.
لكن هذا الرأي لا يخلو من المبالغة، فالنظرة الموضوعية تكشف عن أن بطء إجراءات التقاضي وتعدد درجاته وارتفاع تكاليفه في الدول المتقدمة بوجه خاص، يجعل الوسائل البديلة أكثر ملاءمة، فالقضاء بنوء كاهله بعدد من القضايا التي تطرح عليه وفتح باب الوسائل البديلة يسهم في حل المشكلة على الصعيد الوطني خاصة مع توقع ازدياد الوعي بهذا النظام ومزاياه التي تكمن في الآتي:
1- تقليل عدد الدعاوى التي تحال على القضاء، فقد أثبتت تجارب البلدان التي أخذت بهذا النظام بأنها ساهمت بشكل مباشر في تخفيف العبء على المحاكم.
2-  محدودية التكاليف واستغلال الوقت .
         تؤدي الوسائل البديلة لتوفير الوقت والجهد والنفقات على الخصوم ووكلائهم من خلال إنهاء الدعاوى في مراحلها الأولى، فالوصول إلى حل خارج القضاء يكون من دون شك أسرع وأوفر.
3- خلق بيئـة استثمـارية جاذبـة.
4-  يمثل نظام الوسائل البديلة ضمانا له مفعول أكثر من قرار المحكمة، لأنها تكون مبنية على الواقع الحقيقي للأحداث، بينما يشوه هذا الواقع عندما يعرض أمام القاضي، لذا يمكننا القول بأن هذا النظام أقرب إلى الواقع من القضاء.
5- الخصوصيـة:
         يكفل هذا النظام محافظة طرفي النزاع على خصوصية النزاع القائم بينهما وذلك بغية خلق روابط جيدة بين الأشخاص أو المؤسسات، كما هو الشأن في الوساطة العائلية فهذا النظام يتيح للزوجين تقييم الأمور والبحث عن مصلحة الأبناء، وإيجاد طرق أفضل للمستقبل بالحوار والاحترام المتبادل مما يساهم في المحافظة على الروابط الاجتماعية.
6- تحقيق مكاسب مشتركة لطرفي النزاع:
         فالتسوية النهائية لهذا النظام (خاصة الوساطة) قائمة على حل مرض لطرفي النزاع.
7-  المرونـة:
         تتسم إجراءات هذا النظام بالمرونة لعدم وجود إجراءات وقواعد مرسومة محددة.
8- المحافظة على العلاقات الوديـة بين الخصوم:
         تبقى العلاقات الودية بين الخصوم قائمة في الوساطة بعكس الخصومة القضائية التي تؤدي في الغالب إلى قطع مثل تلك العلاقات.
9-  توفير ملتقى لأطراف النزاع قبل بدء المحاكمة:
تسـاعـد جلسات الوساطة على توفيـر ملتقـى أخير بين الخصـوم قد يساهـم في حل النزاع.
10- الحلول الخلاقـة التي يمكن التوصل إليها :
         تساعد جلسات نظام الوسائل البديلة على تجاوز العقبات وتوفير الحلول الخلافة والإبداعية لحل النزاع، فلقد عرضت الوساطة أفكارا جديدة لحل الخلافات العائلية تعطي فيها الأولوية لإعداد مشترك للقرارات الضرورية في إعادة تنظيم الأسرة أكثر من الاهتمام بالمطالبة بالحقوق الفردية.
11-   تنفيـذ اتفاقيـة التسويـة رضائيـا:
         لما كانت اتفاقية التسوية في الوساطة من صنع أطراف النزاع فإن تنفيذها على الأغلب سيتم برضائهم بعكس حكم القضاء الذي يتم تنفيـذه جبـرا.
          هكذا قمنا باستعراض أهم مزايا وأهداف نظام الوسائـل البديلـة لحل المنازعات مما يطرح التساؤل عن العلاقة القائمة بين هذه النظم والقضاء؟
           الأصل أن نظام الوسائل البديلة يلعب دورا مكملا للقضاء على صعيد تخفيف حجم العبء الملقى على كاهل القضاء، فهو يسير معه جنبا إلى جنب في تحقيق العدالة، إلا أن دور القضاء في الحقيقة يختلف بحسب هل نحن أمام التحكيم أم الوساطة، وهو ما يقتضي منـا بيان هذا الدور في كلا الأمرين:
 - فبخصوص التحكيم يلعب القضاء دور المساند لخصومة التحكيم، فحتى يؤدي دوره المنشود كطريق استثنائي أو بديل للقضاء في الفصل في المنازعات، وحتى تتحقق فاعليته، فإن الأمر يقتضي تدخل قضاء الدولة بماله من سلطة عامة يستطيع عن طريقه إجبار الخصوم على تنفيذ قرارات وأحكام المحكمين(14) ، لذلك كان من اللازم أن يتدخل القضاء في مجال التحكيم للمساعدة ولإعطاء الصفة الإلزامية لقراراته وأحكامه، فللقضاء دور مساند لخصومة التحكيم منذ بدء إجراءات التحكيم حيث يتدخل القضاء في تشكيل هيئـة الحكـم حيـث نصت المـادة 309 فـي فقرتـها الثالثـة مـن ق.م.م على أنـه : " إذا تعذر تعيين المحكمين أولم يعينوا مقدما ورفض أحد الأطراف عند قيام منازعة إجراء هذا التعيين من جانبه أمكن للطرف الآخر أن يقدم مقالا إلى رئيس المحكمة الذي سيعطي لحكم المحكمين القوة التنفيذية لتعيين المحكمين بأمر غير قابل للطعن".
وبذلك ينعقد الاختصاص بتعيين المحكم في هذه الحالة لرئيس المحكمة، ولا يتصدى هذا الأخير للتعيين من تلقاء نفسه، ولكن يجب أن يتقدم أحد طرفي التحكيم بطلب إليه لتعيينه، لكن ما ينبغي التنبيه إليه أن رئيس المحكمة وهو يبث في الطلب المقدم إليه يبث فيه في إطار الأوامر المبنية على الطلب طبقا للفصل 148 من ق.م.م وليس في إطار القضاء الاستعجالي طبقا للفصل 149 من ق.م.م(15).